القدس.. آخر ضحايا "الوضع النهائي"..!

مداخلة سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة أول من أمس، واتهامها كل العالم بالانحياز ضد ما تدعى "إسرائيل"، كانت التعبير الأحدث فقط عما لا يحتاج إيضاحاً: عدم صلاحية أميركا لتكون وسيطاً للسلام بين الفلسطينيين والاحتلال. وقد أكد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة للاحتلال عبثية ربط الفلسطينيين مصيرهم على مدى عقود بعملية يقودها عدوهم البائن.اضافة اعلان
زعم ترامب في خطابه يوم الأربعاء أن اعترافه بالقدس عاصمة للكيان، هو "خطوة متأخرة جداً" من أجل دفع عملية السلام في الشرق الأوسط والعمل باتجاه التوصل إلى اتفاق دائم. وقال إنه يرى أن هذا التحرك يصب في مصلحة الولايات المتحدة ومسعى تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. لكن إعلانه في الحقيقة ينسجم مع سياق كامل من جهود تصفية القضية الفلسطينية، والمستمرة على مدى ربع قرن تقريباً، هو عمر "مفاوضات السلام" منذ أوسلو 1993.
خلال كل هذه الفترة، أعدمت المفاوضات خيار المقاومة الفلسطينية، وأمّنت الاحتلال ووسعته، وأجهضت الإمكانية العملية لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة على أساس الشرعية الدولية. وفي كل هذا الوقت، تجنب العدو مناقشة القضايا الأربع المصيرية التي سميت "قضايا الوضع النهائي" أو "الدائم": القدس، والحدود، واللاجئون، والأمن. لكنه عمل في الأثناء على حسم هذه القضايا خلال "العملية" وليس عند نهايتها. ولنتأمل الخدعة:
الحدود: حسب التسريبات عن خطة كوشنر التي تُعد~ بالتشاور مع العدو وحسب رغبته، سيتضمن "الحل" الإبقاء على الكتل الاستيطانية الهائلة التي تقطّع أوصال الضفة الغربية. وسيحتفظ الكيان بالسيطرة على وادي الأردن شرق الضفة. وبعدم تفكيك المستوطنات والتخلي عن وادي الأردن، تكون مسألة الحدود قد حُسمت سلفاً. وهي لن تحقق مطلب إقامة الدولة على الأراضي التي احتلت في العام 1967 حسب القرارات الدولية. وليحاول أحد رسم خريطة "الدولة" الفلسطينية بوجود الكتل الاستيطانية والطرق الحصرية للمستوطنين، وسيرى كيف الحدود العجيبة التي قُررت فعلياً بحكم "الواقع على الأرض" خلال المفاوضات!
اللاجئون: كما يعرف الجميع بلا لفٍّ ولا دوران، حُسمت مسألة اللاجئين سلفاً أيضاً لاتجاه عدم عودتهم إلى أراضيهم التي هُجروا منها في العام 1948. ولن يُمنحوا حق العودة مع التعويض، ولا حتى حق الاختيار بين العودة والتعويض. وستُقطع إلى الأبد صلتهم بمدنهم وقراهم في 78 % على الأقل من فلسطين التاريخية. ومن يدّعي بأن مسألة اللاجئين متروكة لـ"الحل النهائي" على غير هذا الأساس، هو واهم أو كاذب على أقل تقدير.
الأمن: من المعروف أن الدولة الفلسطينية المتصوَّرة ستكون منزوعة السلاح. وستكون مداخلها ومخارجها وأجواؤها وبرها وبحرها تحت سيطرة "إسرائيل" التي ستعيش معها "في سلام وأمن". وفي الواقع، عملت السلطة الفلسطينية منذ نشوئها كحاجز أمني لحماية الاحتلال، وظلت تلام مع ذلك على أنها "تحرّض" و"تتغاضى" عما سُمي "الإرهاب" الفلسطيني. وتوحي صورة الدولة الفلسطينية المتصورة، بأن نفس الوظيفة ستناط بالسلطات فيها، وسيعيش مواطنوها مخنوقين مُهانين، بلا أي وسيلة للدفاع عن أمنهم وبلا أي أمن في الحقيقة، تحت رحمة عدو حاقد يملك خيار اجتياحهم بسهولة في أي لحظة، وحصارهم وتقييد حركتهم داخل "الدولة" وخارجها، بل وقصفهم وهم عزل كما حدث مراراً مع غزة. وبذلك تكون مسألة "الأمن" بهذه الشروط محسومة أيضاً لصالح أمن الاحتلال وحرمان الفلسطينيين منه.
وأخيراً، بخصوص القدس، حسم الراعي الذي ارتضاه العرب والفلسطينيون وسيطاً وحيداً للصراع هذه المسألة من "قضايا الوضع النهائي" بإعلان الأربعاء. وقال بذلك للعرب والفلسطينيين إن وضع القدس، حسب رؤيته لتيسير سبل السلام، هي "عاصمة إسرائيل" وانتهى الأمر. وكان الاستيطان الكثيف في المدينة المحتلة وترحيل أهلها وتضييق حيز الفلسطينيين فيها خلال "المفاوضات" منسجماً مع هذا خلال "المفاوضات".
إذا كانت قضايا القدس، واللاجئين، والحدود، والأمن، قد تقررت على هذا النحو بخديعة المفاوضات، ينبغي إخبار ترامب بأن ينقع أوراق "صفقة القرن" ويشرب حبرها. وينبغي إخباره بما يلي: شروطنا لأي تفاوض هي: القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، التي تقام على كامل أراضي 1967 كحد أدنى مع تفكيك المستوطنات، بالصفات والمؤسسات وسبل الدفاع والأمن كأي دولة حُرة، ومع حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض. وبغير أي من ذلك، لن يفاوض أي فلسطيني. ونودعك بلا سلام عليك ولا رحمة ولا بركات.