"القصر الأبيض": أول بيت بني على نظام الطابقين واستقبل كبار الضيوف

جانب من “القصر الأبيض” لواصف بشارات ويقع فوق تلة اللويبدة - (تصوير: محمد المغايضة)
جانب من “القصر الأبيض” لواصف بشارات ويقع فوق تلة اللويبدة - (تصوير: محمد المغايضة)

غيداء حمودة

عمان - بيت يعلو فوق تلة اللويبدة المقابلة لمنطقة الدوار الثاني، كان ظاهرا للعين من عدة طرق في عمان، منها طريق السلط إلى عمان، وشارع وادي السير، ومنطقة الدوار الثالث. يتميز بكونه أول بيت بني على نظام الطابقين في عمان، وحلت شخصيات مهمة ضيوفا فيه.  
إنه “القصر الأبيض”، بيت الباشا واصف بشارات، أحد أكبر رجالات الدولة، والذي كان من كبار التجار والمتعهدين في عمان، وأتى من مدينة السلط إلى عمان عندما أصبحت الأخيرة العاصمة،  وكان عضوا  في المجلس التشريعي الثالث (16/10/1934 ــ 16/10/1937 م) ، وعضوا في مجلس الأعيان الأول (20/10/1947 ــ 20/4/1950 م).
عرف واصف بشارات بعطائه وعمل الخير، ولقب بـ “فارس القبر المقدس”، وهو من بنى كنيسة البشارات في أوائل خمسينيات القرن الماضي في اللويبدة.
انشأ سوق البشارات في عشرينيات القرن الماضي في وسط البلد ضمن الأسواق الأخرى مثل: سوق البخارية وسوق الحلال للحيوانات والماشية، وجاء سوق السكر (لبيع السكر والمحاصيل والحبوب)، وسوق اليمانية وسوق منكو للملابس، وسوق الذهب القريب من ساحة الملك فيصل.
وفيما اختار أخوه شبلي بشارات السكن في جبل الجوفة قرب قصر رغدان، اختار هو جبل اللويبدة.
بُني القصر في العام 1932، وكان من أوائل البيوت في اللويبدة، وصممه المهندس سبع سماحة على النمط الايطالي، كما كان أول بيت في عمان يتم إنشاء التدفئة المركزية فيه.
سكنت القصر عائلة واصف بشارات المكونة من زوجته سلمى بشارات وابنتهما نجلة. وبعد أن تزوجت نجلة بشارات من كمال بشارات، سكنوا أيضا القصر مع أولادهم السبعة: واصف وكاميليا وسلمى وبسمة ودينا وهاني وابراهيم.  
يتكون القصر، الذي يأتي على أرض مساحتها 5 دونمات، من 5 غرف للنوم بالإضافة إلى 3 صالونات ومطبخ ومرافق، ويتميز بسقفه الذي يبلغ ارتفاعه أربعة امتار ونصف. أما الأقواس التي تملأ البيت من الداخل فتضفي عليه جمالا دافئا وصفة أساسية.
في داخل البيت أثاث عتيق، وسجاد إيراني قديم معلق كلوحة تحكي عن زمن آخر.
كانت “قوانين الباشا” تسود في البيت وفق ما يذكر حفيده هاني بشارات، “فهنالك أوقات محددة للغداء والعشاء، ولا يجوز التغيب عنهما”، كما يقول.
ويبين “كنا نجلس حول الباشا، نؤدي الصلاة، ونشكر الرب ومن ثم نأكل”.
ويستذكر هاني كيف كانوا في كل صباح “نصبح على الباشا ونقبل يديه، وهو يعطينا المصروف الذي كان 10 قروش”. وكانوا يذهبون به إلى البقالة لشراء الشوكلاته، خاصة نوع “شوكو برنس”، ويعود الباشا لشرائها منهم.
“كان الباشا يربينا على الشجاعة، وعلمنا الصيد والقتال والفروسية ركوب الخيل والرياضة” كما يقول هاني، حيث كانوا يملكون الخيول، وعائلة البشارات هي من أنشأت نادي الجواد العربي في منطقة أم الكندم على طريق المطار على أراضيهم الواقعة هناك.
ويضيف “كنا نفهم الباشا من نظرته إلينا”. ويشير إلى أهمية القيم التي تعلمها من جده وأبيه في تكوين شخصيته هو وإخوانه، والتي كان أهمها “احترام الآخر والكرم والشجاعة، وكيف نكسب الناس ونتعامل معهم”.
القصر، وفق هاني “كان مفتوحا دائما للضيوف”، حتى أنهم عندما كانوا يعدون الطعام كان يتم الأخذ بعين الاعتبار الضيوف الذين قد يأتون.
ويستذكر كيف كانت هنالك أوان كبيرة للطبخ، والتي كانت توضع على غاز “البابور”.
كان القصر الأبيض محاطا ببستان كبير، تنتشر فيه أشجار التوت والتين واللوز والزيتون والخوخ والمشمش، فضلا عن مزروعات البقدونس والفجل والبصل والبندورة وغيرها.  
في أوقات العطلة، كان هاني وأخوته يذهبون لمزارعهم في منطقة الغور، حيث “في تلك الأيام كانت الزراعة فيها خير ودور كبير في الاقتصاد” كما يقول.
ويتذكر كيف كان أبوه يعود من أراضيهم الزراعية وجيوبه المتعددة محملة بالنقود، وكان يطلب منهم أخذ النقود من أي جيب يريدون!
في عيد الميلاد، كانوا يختارون شجرة كبيرة من البستان وتجتمع العائلة على تزيينها واستلام الهدايا وإقامة الاحتفالات.
البيت شهد عرس ابنة الباشا واصف نجلة بشارات في العام 1946، حيث امتدت الاحتفالات فيه نحو أسبوع كامل.
ووفق ما يقول هاني أن والده كمال راجي بشارات “حارب للزواج من والدتي، اذ كان يطلبها الكثيرون، وجرت شبه معارك ليتمكن من الزواج بها، كما كان يأتي مرات عديدة على ظهر الخيل لطلبها”.  للدوق، ممدوح بشارات ابن شبلي بشارات (شقيق واصف) ذكريات عديدة في القصر.
وهو يتذكر عندما جاء المغفور له الأمير عبدالله الأول المؤسس إلى القصر وتم استضافة ضيوف له فيه، وكيف “جلست على حضن الأمير وكان عمري حوالي 8 سنوات حينها”.
ويضيف أن الأمير عبدالله الأول استقبل العديد من ضيوفه في القصر، ومنهم الكونت فولك برنادوت السويدي، وهو من العائلة الملكية السويدية، وجاء في زيارة إلى عمان في العام 1948، ونام ليلة في القصر، ومن بعدها توجه للقدس.
وكان برنادوت قد اختارته منظمة الأمم المتحدة ليكون وسيطاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين في 20 أيار (مايو) من العام 1948، ليصبح أول وسيط دولي في تاريخ المنظمة، وبعد أن حقق الهدنة الأولى في فلسطين في 11 حزيران (يونيو) 1948، وتمكن من الدعوة إلى مفاوضات رودس، إلا أنه اغتيل في القدس من قبل الإسرائيليين في 17  ايلول(سبتمبر) 1948.
أيضا من الضيوف الذين زاروا القصر الموسيقي السوري وأحد كبار عازفي الكمان سامي الشوا، والذي عزف على آلته الكمان على الدرج في البيت، كما يذكر الدوق. 
اليوم، يوجد بجانب القصر الأبيض وعلى نفس الأرض بيت بني في تسعينيات القرن الماضي، يسكنه هاني بشارات.
أما كنيسة البشارات، والتي تسمى أيضا كنيسة قصر البشارات، فتعد احدى الكنائس المعروفة في عمان، ودفن فيها الباشا واصف بشارات، وزوجته سلمى بشارات وابنتهما نجلة.

اضافة اعلان

[email protected]