القطاع المنسي والمعطل!!

النظام المالي في أي دولة يتكون من المؤسسات المالية المصرفية وغير المصرفية والأسواق المالية. ويؤدي النظام المالي دور الوسيط في الاقتصاد بحيث يقوم بتحويل المدخرات الوطنية إلى استثمارات تشكل مصدراً أساسياً لتمويل شركات القطاع الخاص والخزينة والقطاع العام. النظام المالي حتى يكون فعالاً ونشطاً لا بد من أن تحكمه تشريعات قوية، توفر له أسس حاكمية مؤسسية متطورة، تمكن المؤسسات القائمة عليه من ادارته بصورة فعالة تحقق الاهداف المرسومة التي أنشىء النظام من أجلها.اضافة اعلان
في الاردن، لدينا تشوهات هيكلية على طرفي النظام المالي؛ ففي جانب المؤسسات المالية لدينا ضعف في جانب مهم في دور وحجم وأدوات المؤسسات المالية غير المصرفية العاملة في السوق وبالتالي تعطل في مساهمتها في توفير التمويل لكل القطاعات الاقتصادية واحداث التنمية المستدامة. وهذا له انعكاسات سلبية كبيرة على حجم ونوعية وكلف التمويل في الاقتصاد. وفي الجانب الاخر، هناك أيضا جزء كبير من النظام المالي معطل ومنسي منذ اندلاع الازمة المالية العالمية عام 2008 وهو سوق الاوراق المالية (بورصة عمان).
ضعف المؤسسات المالية غير المصرفية وشلل حركة بورصة عمان لأكثر من 12 سنة يعني أن رافدا رئيسياًمن روافد التمويل أصبح شحيحا ان لم يكن معطلا نسبيا ولا يسهم بدوره المطلوب في توفير التمويل للاقتصاد. والارقام تشهد على ذلك من حيث احجام التداول وأسعار الاسهم والقيم السوقية للشركات وربحية الأسهم وغيرها.
ولطالما طالبنا في مقالات متعددة طوال السنوات الماضية في هذه الزاوية وفي غيرها بتنشيط السوق المالي وتفعيل دور المؤسسات المالية الضعيفة.
من الناحية المؤسسية، هناك الكثير الذي يمكن القيام به. على سبيل المثال، لا بد من الاسراع في توفير شروط تحويل بورصة عمان لتصبح بورصة ناشئة لما لذلك من دور في استقطاب الاستثمارات الاجنبية. ولا بد من تطبيق قواعد الحوكمة والمساءلة على مجالس إدارة الشركات المساهمة العامة المدرجة في البورصة. وهنالك حاجة ماسة لرفع كفاءة وملاءة شركات الخدمات المالية العاملة في السوق المالي، ورفع الوعي الاستثماري للمستثمرين في السوق. ولا بد من وضع وتطبيق السياسات اللازمة لجذب الاستثمار المؤسسي، وخاصة من خلال صناديق الاستثمار، تمهيدا لعودة السيولة للسوق. ولا بد من توفير صناع للسوق في البورصة، وخاصة أن هناك امكانية لقيام بعض البنوك وصندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي بهذا الدور، حيث ان من شأن ذلك تخفيض التقلبات في الأسعار وتوفير ثقة أكبر في مستويات الاسعار السائدة، والمحافظة على توفير السيولة في السوق.
كما لا بد من تعزيز السوق الأولية للأوراق المالية الحكومية (السندات) من خلال توسيع قاعدة المستثمرين، وتنويع أدوات الدين العام، وتشجيع وجود سوق ثانوية كفؤة للأوراق المالية الحكومية. علاوة على ذلك، فان سوق سندات الشركات يعد صغيرا جدا وغير سائل وذلك بسبب عدم وجود وكالة تصنيف ائتماني محلية، وعدم وجود صناديق استثمار مشترك. وتكمن أهمية وجود صناديق استثمار مشترك في تعزيز الاستثمار المؤسسي في بورصة عمان حتى لا يبقى الاستثمار الفردي القائم على المضاربة مسيطراً على السوق. ولا بد أيضاً من تكثيف إصدار صكوك إسلامية من الشركات في القطاع الخاص ومن قبل الخزينة.
خطط كثيرة وضعت للاصلاح الهيكلي للسوق المالي خلال السنوات الماضية لم نر لها أثرا ولم تظهر فاعلية في تنشيط السوق وتعزيز دوره وجاذبيته الاستثمارية.هناك خلل هيكلي واضح في جانب مهم في القطاع المالي غير المصرفي في الاردن ولا بد من تصحيحه بأسرع وقت حتى نتمكن من توفير مؤسسات مالية قوية وأدوات جديدة للتمويل وبيئة استثمارية صحية تسهم في احداث نمو وتنمية مطلوبة في اقتصادنا الوطني.
كل القطاعات المالية في الدول الناشئة والمتقدمة لديها قطاعات مالية غير مصرفية كفؤة وفعالة والاردن يجب أن ينظم الى هذه الدول. كفانا الارتكاز على مقولة مغلوطة ان سوق الاوراق المالية مرآة للاقتصاد الوطني. هناك الكثير من العمل النوعي الذي يمكن القيام به ولا مجال للتأخير، فترف الوقت لم يعد متاحا، ولا بد من تفعيل القطاع المنسي والمعطل!!