القومية البيضاء مشكلة عالمية

Untitled-1
Untitled-1
ترجمة: علاء الدين أبو زينة راشمي روشان لال* - (ذا أراب ويكلي) 27/3/2019 عن طريق خلق شعور من اللامبالاة تجاه موت المسلمين -بضربات الطائرات المسيّرة، أو الغرق في البحار، أو مواجهة السجن لمجرد طلب اللجوء- تحقق هدف صناعة قدر من "انعدام الحساسية" لدى الناس. * * * قالت رئيسة الوزراء النيوزيلندية، جاسيندا آرديرن، إن رد العالم على الهجوم الإرهابي الذي استهدف مسجدين في كرايستشيرش يجب أن يكون "متعلقاً بالحدود... وسوف أجعل من هذا نداء عالمياً". وهي على حق. فالإرهاب الإثني-القومي هو مشكلة عالمية مثله مثل الجهادية. وتؤثر القومية البيضاء المتشددة والإسلاموية المتشددة كلاهما على الناس في كل أنحاء الكوكب -ولننظر فقط في قائمة البلدان الأصلية التي جاء منها ضحايا هجوم كرايستشيرش الخمسون. ومن دون ترتيب مخصوص، جاء هؤلاء الضحايا من الكويت، والإمارات العربية المتحدة، وسورية، والأردن، والمناطق الفلسطينية، ومصر، وباكستان، والهند، وبنغلادش، وأفغانستان، وفيجي وإندونيسيا. كما كانت من بين القتلى أيضاً امرأة نيوزيلندية بيضاء اعتنقت الإسلام. على مدى السنوات، كانت الهجمات الجهادية قد أغرقت العالم بالأحزان، وصنعت أمة كبيرة وحَّدها الحُزن. كان مواطنون ينتمون إلى 15 بلداً على الأقل بين الضحايا الـ129 الذين قتلوا في هجمات تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 في باريس وضاحية سينت-دينيس الشمالية. وكان هولاء الضحايا من المغرب، والجزائر، ومصر وبوركينا فاسو، من بين أماكن أخرى. في عالم يصبح أكثر ترابطاً باطراد، "هكذا يحدُث" -باستعارة العبارة المعبرة التي نحتها كيرت فونيغوت وكررها عند كل مرة سُجلت فيها وفاة في روايته المهمة "المسلخ-5". هكذا يحدث أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يدين إرهاب القومية البيضاء ويرفض أن ينظر إليها باعتبارها مشكلة عالمية مقلقة. هكذا يحدث أن يكون المتهم بالهجوم على مسجدي نيوزيلندا أسترالياً يعبِّر عن التزام مجنون بمنع "استبدال" البيض بالمسلمين. هكذا يحدث أن تنقل مجلة "الإيكونوميست" عن ماريون ماريشال، حفيدة الزعيم الفرنسي اليميني جان ماري لو بان، قبل يوم من هجوم نيوزيلندا، ثناءها على نظرية "الاستبدال العظيم"، التي تزعم أن المهاجرين المسلمين سوف يجتاحون الفرنسيين البيض ويتغلبون عليهم ديموغرافياً. هكذا يحدث أن تعلن ماريشال، الطامحة إلى زعامة القومية الفرنسية: "لا أريد أن تصبح فرنسا أرضاً للإسلام". هكذا يحدث أن يستشهد قاتل جماعي وسياسة على بعد نصف عالَم بنفس النظرية غير العلمية التي طورها في العام 2011 الأكاديمي السابق رينو كامو في كتابه "الاستبدال العظيم". يقال إن فكرة الاستبدال تتجذر في العلم العنصري الذي افتُضح زيفه من ثلاثينيات القرن الماضي والكتابات النازية المعادية للسامية. لكن الفكرة القائلة بأن الولادات المفرطة لأطفال المسلمين تشكل تهديداً وجودياً للمسيحيين تم دحضها بالفعل، على الأقل على يد الإحصائي السويدي الراحل هانز روزلينج. في كتاب "الحقيقة"، أكثر الكتب مبيعاً في العام 2018 والذي شارك في تأليفه، قال روزلينج: "اليوم، تنجب النساء المسلمات 3.1 طفل في المتوسط. وتنجب النساء المسيحيات 2.7 في المعدل. لا يوجد فرق كبير بين معدلات المواليد لأتباع ديانات العالم العظيمة". و، كما يحدث، أعتقد بأن مهاجم نيوزيلندا، مثل الكثيرين من أتباع القومية التفوقية البيضاء، كان مهووساً بالحروب الدينية التي جرت في القرون الوسطى. ويقال أنه زار في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي مواقع بلغارية مرتبطة بمعارك دارت بين المسيحيين الأرثوذكس والأتراك العثمانيين. ما الذي يقود إليه كل هذا؟ لدى الأكاديمي لبناني الأصل، غسان الحاج، أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة ملبورن، تفسير مقلق لواحد من الأنماط السائدة في التفكير القومي الأبيض. ويقول الحاج إن هناك عملاً يجري في بلد مهاجم كرايستشيرش الأصلي، أستراليا، وفي بعض الأجزاء الأخرى من العالم الغربي، لإعداد "ثقافة القابلية للإبادة" للمجتمع الإسلامي. وقد حذر الحاج، الذي يقضي الكثير من الوقت وهو يشرح لمحاوريه الأوروبيين أنه ليس مسلماً وإنما مسيحي، من هذا الاتجاه منذ أكثر من عقد. في أستراليا، كان الآسيون هم موضع التركيز الرئيس للقوميين التفوقيين، لكن هذا التركيز انتقل بعد ذلك إلى العرب والمسلمين. ويأسف الحاج على أن الساسة والإعلام في أستراليا قاموا بتطبيع فكرة أن القومية البيضاء تعبر عن بعض المظالم والمخاوف "المشروعة" من العرب والمسلمين. يستخدم تعبير "ثقافة القابلية للإبادة" الذي يتحدث عنه الحاج تحليل حنة أرنت لمعاملة النازيين لليهود. ويقول إن المجتمع المعني يجب أن يصل إلى حالة ذهنية معينة حتى يتمكن من تصنيف مجموعة معينة من الناس على أنها "قابلة للإبادة". ويحذر من أن "القابلية للإبادة والإبادة نفسها ليسا الشيء نفسه". من الواضح أن المنطق سيقود المرء إلى استنتاج أن الأولى هي المقدمة للثانية. ويقول الحاج إنه عن طريق خلق شعور باللامبالاة تجاه موت المسلمين -بضربات الطائرات بلا طيار، والغرق في البحار، أو السجن لمجرد طلب اللجوء- يكون قدر من "انعدام الحساسية" قد تحقق، وهو ما يجلبنا إلى ثقافة القابلية للإبادة. وتعمل اللاعقلانية، كما يقول الحاج، "بفعالية" في تعزيز العنصرية. كما هو الحال مع كل أنواع الكراهيات الأيديولوجية العنيفة، ومنها الجهادية أو القومية البيضاء على حد سواء. *كاتبة عمود منتظمة في "ذا أراب ويكلي". *نشر هذا المقال تحت عنوان: White nationalism is a global problemاضافة اعلان