القومية الرياضية..!

وصفتْ صحيفةُ الغارديان البريطانية النجاح الذي حققه فريق كرة القدم الآيسلندي في بطولة أمم أوروبا في العام 2016 بالقول: "لعل الرائع والملفت في هذه المغامرة هو الطريقة التي تفتن بها الأمة بأسرها. إنها تتحول إلى قصة حب وطنية". وكانت الحالة التي أصابت الآيسلنديين في تلك التجربة تجسيداً لحقيقة أن الناس في البلدان المختلفة يختبرون نوعاً من الفخر الوطني عندما يتعلق الأمر بالرياضة. بل إن الرياضة تصبح أحد تعبيرات الهوية، وقد تكون القدرة على المنافسة فيها تعويضاً عن ضعف قدرة المنافسة في مجالات أخرى. وسوف يتذكر المتابعون مباراة كرة القدم الشهيرة بين الأرجنتين وإنجلترا في مونديال المكسيك في العام 1986، والتي سجل فيها مارادونا الأرجنتيني هدفه الشهير باليد، وأتبعه بآخر بمراوغة تاريخية. وكان ذلك الفوز مهماً لأن العواطف الأرجنتينية ضد بريطانيا كانت ما تزال ساخنة بعد أن أذلت الأرجنتين، سياسياً، قبل أربع سنوات بغزو جزر فوكلند. ثمة مفهوم في العالم الآن يسمى "القومية الرياضية" sport nationalism. وهو يتعلق بالتشابك بين القومية والرياضة، ويستند إلى فرضية أن الرياضة تشكل مكاناً للمنافسة الرمزية بين الأمم. وتقول موسوعة ويكيبيديا: "غالباً ما تعكس المنافسة الرياضية الصراع القومي، وكانت في الحقيقة أداة للدبلوماسية. وينظر البعض إلى توريط الأهداف السياسية في الرياضة كشأن يتناقض مع المبادئ الأساسية للرياضة التي ينبغي أن تُمارس لذاتها، ومن أجل استمتاع المشاركين فيها، لكن هذا التوريط كان موجوداً طوال تاريخ الرياضة". في العالم العربي، وعلى الرغم من كل المتاعب والتناقضات التي يعيشها، شرعت الرياضة في الدخول على هذه الخطوط. وعلى سبيل المثال، يشعر العرب في كل مكان تقريباً بالفخر القومي حين يرون لاعبين عرباً – من أي دولة عربية- يكسبون مسابقات ألعاب القوى أو يلعبون في أندية كرة القدم العالمية. وبرز بشكل خاص في الفترة الأخيرة أشخاص – بسبب شعبية اللعبة التي يمارسونها- مثل رياض محرز ومحمد صلاح وأشرف حكيمي وغيرهم، كنوع من التمثيل الإيجابي للهوية العربية. ويوصف هؤلاء الرياضيون بأنهم "فخر العرب"، وكأن كل عربي يريد أن يقول: "ها نحنُ العربُ نستطيع أن نلعب كرة القدم مثل الآخرين أيضاً". دراسة العلاقات بين السياسة والرياضة في العالم العربي موضوع غني ومغوٍ. لكن الفكرة التي لا بُدّ أن يلاحظها معظم العرب في أنفسهم، إذا كانوا يتابعون الرياضة، هي أن العروبة تشكل أعلى درجات العاطفة القومية وأكثرها شمولاً. وقد يبدأ الولاء الرياضي بالنادي المحلي، ثم بالفريق الوطني-القُطري إذا كانت المنافسة بين الأقطار العربية، لكن هذه الولاءات الفرعية تتراجع عندما تكون المنافسة بين دولة عربية ومنافسين قوميين آخرين. في مسابقة كأس أفريقيا التي تنتهي غداً بالمباراة بين الجزائر والسنغال، شجع المصريون أولاً فريقهم الوطني قبل أن يخسر ويغادر المسابقة. لكنهم تحولوا مباشرة إلى تشجيع الفرق العربية الأخرى التي تبقت. ومع أن هناك احتكاكات وقعت بين الجماهير المصرية والجزائرية في مباريات سابقة بين المنتخبين، فإن تلك الحساسيات تراجعت عندما تنافست الجزائر ضد بلدان غير عربية. كما أن العرب الآخرين من غير القارة الأفريقية، يتابعون بتعاطف كبير أداء العرب من شمال أفريقيا ويشجعونهم ضد الأفارقة الآخرين. ويلاحَظ أن هذه العاطفة تتجاوز في كثير من الأحيان عن الخلافات السياسية بين الأنظمة السياسية للبلدان، ويسود منطق: إنهم أشقاؤنا في نهاية المطاف. بشكل عام، تبقى مسألة الموقف الرياضي العربي في المنافسات مع القوميات الأخرى مسألة تلامس الهوية الفردية والجمعية لكل عربي. وسيشعر العرب بالإحباط عندما تخرج الفرق أو الرياضيون العرب من المنافسات في المراحل الأولى. وسوف يتحدثون عن عقدة "الهزيمة"، ويرون في الرياضة مؤشراً على المكان الجيو-سياسي الذي يحتله العرب كأمّة. وربما يتصور المرء أنها لو كانت للعرب حصة أكبر في الحوكمة الكونية والهيبة العالمية، لكان الرياضيون العرب أكثر نجاحاً في التنافس مع الآخرين. وسوف يرى في الفشل على هذا الصعيد تجسيداً لضعف القدرة على تحقيق الإمكانيات العربية على أي مستوىً. أياً يكُن، تكفي ملاحظة "القومية الرياضية" التي تجسدها العواطف الشعبية العربية الطبيعية في المناسبات الرياضية، للمصادقة على صلاحية مفهوم "القومية العربية" كمفهوم طبيعي وواقعي أيضاً.اضافة اعلان