الكتابة من خلال "فيسبوك"

انقطعت عن الكتابة الصحفية لنحو سنة ونصف السنة، لأكتشف في الأثناء أن المنابر التي أتاحها "الإعلام الجديد" في مواقع التواصل الاجتماعي، ولم أكن من قبل أحملها على محمل الجد، قد قلّصت إلى حد كبير تلك الميزة التي ظل يتمتع بها الكُتّاب الصحفيون، من جهة انفرادهم بمخاطبة الرأي العام، بل والمشاركة في صناعته، بحسب الأدبيات (والنظريات!) الإعلامية.اضافة اعلان
اليوم، استوى الكُتّاب والقراء، فكلاهما يكتبان وكلاهما يقرآن، من خلال "فيسبوك"، الذي بات معظم من يكتبون ويقرأون يتعاطون معه بجدية، كساحة حقيقية للتواصل الفكري والمعرفي، لا الاجتماعي وحسب.
فهل يتميز الكُتاب عن غيرهم، في ساحة "فيسبوك"؟
لو أجرينا رصداً سريعاً لصفحات الكُتّاب على "فيسبوك"، سنلمس على الأغلب خصوصية لما يُكتب فيها، تؤشر على أن أصحابها هم "أصحاب رأي"، سواء كتبوا على "الحائط"، أو نقلوا عن ألسنة آخرين، أو علّقوا على مداخلات آخرين، أو أبدوا إعجابهم بعبارة هنا أو تعبير هناك.
ذلك ليس انطباعاً فحسب، بل يمكن لأي منا أن يتصفح مواقع كُتّاب صحفيين أمثال: نادر الرنتيسي، إبراهيم جابر، فؤاد أبو حجلة، هند خليفات، رمزي الغزوي، باتر وردم، إبراهيم غرايبة، وغيرهم من الأسماء المعروفة، ليلمس أن أصحابها هم "محترفو رأي"، يستطيعون إيصال رسائلهم من خلال عبارات مكثّفة، بحسب ما تقتضيه طبيعة صفحات الموقع الشهير، ويحسنون التقاط المواقف لتوظيفها في إيصال آرائهم، السياسية والاجتماعية.
بالطبع، لا أعني أن الآخرين غير مميزين، بل إن لكل صاحب حرفة طريقته في التواصل. الصحفيون مثلاً يركزّون على الأخبار والتعليق على الأخبار. المصوّرون يتابعون الصور. وحصيلة الأمر أن الكُتّاب الصحفيين استطاعوا إلى حد ما، بوعي أو من دون سابق تخطيط، استثمار هذا المنبر لمواصلة بث رسائلهم والمساهمة في صناعة الرأي العام. غير أن أبرز ما أفضى إليه إقبال الناس في مجتمعنا على التعاطي مع "فيسبوك"، ليس فقط أن رصد خواطرهم ومشاعرهم ومشاكلهم بات ممكناً، بل أيضاً ملاحظتنا أن المزاج العام في مجتمعنا ليس مرتاحاً، بخاصة بين الشباب، إذ يغلب على ما يكتبون طابع الحزن والألم والتعبير عن الخسارة والفقدان. إن آمال الشباب وأحلامهم لا تتحقق بيسر وسهولة، بحكم طبيعة الأشياء، إذن.
لماذا، والحال هذه، يعمل الفريقان بانفصال عن بعضهما: الذين يعانون المشكلات من أفراد المجتمع، والذين يفترض بهم التدخل من أجل حلها، أي الكتاب الصحفيون، بخاصة هؤلاء الذين يكتبون في القضايا الاجتماعية، لا السياسية؟!
لقد أتاح "فيسبوك" للكُتّاب التواصل مع مجتمع القراء مباشرة، من خلال صفحات هؤلاء القرّاء، ومن ثم معاينة أفكارهم وضمائرهم وطموحاتهم. أليس منطقياً إذن أن نتوقع أن يتجاوز التبشير الذي ظل الكُتاب الصحفيون يمارسونه من خلال زواياهم الصحفية، مجرد الوعظ، إلى التفاعل المباشر مع الناس، في قضايا يطرحها هؤلاء الناس بأنفسهم، ويمكن رصدها من خلال عبارات يكتبونها أو يتناقلونها، وهي غالباً، ويا للأسف، ما تعاني ركاكة لغوية وهفوات نحوية وإملائية، تهدر المعنى وتسيء إلى اللغة؟
هذا مجرد اقتراح للكتّاب، بخاصة من يتخصصون في شؤون المجتمع: غادروا صفحاتكم إلى صفحات القرّاء، علّقوا على ما يكتبون أو ينقلون، لتساهموا في معالجة الأزمات التي يعيشها الشباب، نفسياً وواقعياً، فتلك إحدى أهم أدوار الكتابة من حيث المبدأ، وتلك طريقة ممكنة لاستثمار المنابر الجديدة في مواصلة المهمة القديمة الأثيرة.