"الكتاب الأبيض" يعرض موقف الأردن من حرب الخليج الثانية

"الكتاب الأبيض" يعرض موقف الأردن من حرب الخليج الثانية
"الكتاب الأبيض" يعرض موقف الأردن من حرب الخليج الثانية

 

بقلم الدكتور سعد أبو دية

عمان- ذكرتني مقابلة جريدة الغد المهمة يوم الثلاثاء الموافق 16/9/2008 (مع عدنان أبو عودة) بموضوع "الكتاب الأبيض" الذي صدر بعد أزمة الخليج عام 1990 عن الحكومة الأردنية، وتضمن وثائق مهمة عن تلك الأزمة، وأرجو أن أقدم ملخصاً وتوضيحاً لفكرة "الكتاب الأبيض" بشكل عام.

اضافة اعلان

في معنى المصطلح:

"الكتاب الأبيض" دائماً هو شرح وتوضيح لموقف الحكومة وأحياناً يكون توجه عند بعض الدول في توضيح موقفها وصفاء توجهها فتطرح كتاباً أبيض ولقد طرح المصريون في عام 1977 كتاباً أبيض، باللغة الإنجليزية وفيه تم توضيح توجهات مصر.

وتاريخياً نجد أن دولة مثل بريطانيا طرحت كتاباً أبيض عام 1939م ووضحت فيه موقفها المستقبلي من فلسطين بما يتعلق بالهجرة وكان هدف انجلترا استقطاب العرب حتى لا يتوجهوا نحو ألمانيا.

لقد سبق للأردن أن طرح كتاباً أبيض في 19/2/1986م عند وقف التنسيق مع م.ت.ف، ولكن يومها لم يطلق على الكتاب هذا الاسم ولكن هناك كتابا أبيض جاء على شكل خطاب إلقاء جلالة الملك دون حمل اسم الكتاب الأبيض.

والكتاب الأبيض الحالي يحمل اسم الكتاب الأبيض وورد في مقدمته أن هدف الكتاب شرح السياسة الأردنية خلال مختلف مراحل فترة ماضية وليست سياسة مستقبلية ولا يريد فتح الجراح حسب ما ورد في الكتاب.

إذن فالكتاب يغطي فترة ماضية ولذلك فإن هذا الكتاب ليس سياسة خارجية مستقبلية بل هو سياسة مضت خلال فترة سياسة ماضية.

عرض الكتاب:

وفيما يلي استعراض لبعض أفكار الكتاب الأبيض لإعطاء فكرة فالكتاب عرض تاريخي من وجهة نظر أردنية، ولقد قمت أحياناً بتوضيح بعض الأفكار وشرحتها في أحيان أخرى واكتفيت أحياناً بالتبويب والعرض، وفي معظم الوقت كنت أستعرض الأفكار باختصار، والهدف هو تثقيف القارئ وكما قلت فإن الكتاب ليس سياسة مستقبلية بل هو توضيح لما جرى من وجهة نظر أردنية، ونظراً لحساسية الحوادث لأن الهدف كما قال الكتاب الأبيض نفسه ليس فتح الجراح.

الدبلوماسية الوقائية:

أوضح الكتاب موقف الحكومة الأردنية من التسوية في أزمة الخليج ومنع تدهور الوضع هناك. إذن فإن الموقف الأردني كان موقفاً وإجراءً وقائياً في البداية لمنع تفاقم الموقف. والدبلوماسية كانت وقائية لمنع حدوث الأزمة أو تفاقمها وفي هذا الصدد قام الأردن بالدبلوماسية الوقائية أولاً على هذا النحو.

أولاً: مرحلة ما قبل الثاني من آب 1990 :

ظهرت خطورة الوضع في شهر أيار من عام 1990م عندما تذمر العراق من زيادة الكويت والإمارات العربية المتحدة لإنتاجهما النفطي، يومها اشتكى الرئيس العراقي صدام حسين من ذلك في خطابه بشكل علني مردداً المثل المعروف (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق).

يضاف لهذا السبب طلب العراق تحقيق مطالبه في حقل الرميلة، وهو حقل على الحدود بين العراق والكويت ذو قيمة نفطية عالية، ويتوقع أن قيمة الحقل قد تصل إلى 750 بليون دولار بمعنى أن هذا الحقل يكفي موازنة العراق (75) سنة يصرف فيها العراق سنوياً 10 بلايين، وهذه الأرقام فلكية. هناك اتفاق تفاهم بين العراق والكويت لاقتسام الحقل بالتساوي مستقبلاً ويبدو أن هذا لم يتم مما أغضب العراق. وللعراق مطلب ثالث يتمثل في رغبة العراق بالوصول إلى مياه الخليج.

هذه المطالب العراقية الثلاثة اختلفت في أولوياتها وكان أهمها عند العراق هو الطلب العاجل الخاص بالإنتاج النفطي الذي أغضب العراقيين. لقد أشار الكتاب لهذا الموضوع أعني الكتاب الأبيض وتطرق لأسباب الخلاف، ويشير الكتاب الأبيض للجهد الأردني في حل الأزمة وكيف حصل الملك على تأكيد من الرئيس العراقي صدام حسين بأن العراق لن يلجأ للقوة لحل النزاع، كل التاريخ مع الكويت ما دامت المفاوضات قائمة. لكن تدخلات القوى الخارجية صعدت الموقف وعلى سبيل المثال حدث ما يلي:

أ‌- قرر مجلس الشيوخ الأميركي في 27/7/1991 قطع جميع مساعدات المنتجات الغذائية ومنع نقل المعدات العسكرية والتكنولوجية للعراق.

ب‌- قامت الولايات المتحدة بمناورات في مياه الخليج.

وفي هذه الظروف قام الحسين بزيارة لبغداد في 29/تموز/1990 وزار الكويت يوم 30/ منه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والتوفيق بين الطرفين. كان ما يزال في الأفق بصيص من الأمل في اجتماع جدة.

وفي 31 منه اجتمع الكويتيون والعراقيون في جدة، كان الطرفان في وضع كالتالي:

غضب عراقي شديد وعدم تقدير الكويت لخطورة الموقف، وثقة بالتدخل الأجنبي ولذلك فشلت المفاوضات.

الدبلوماسية الأردنية، صباح 23 آب 1990.

وفي 2 آب اجتاحت العراق الكويت ولم يكن عند الأردن علم مسبق وفي تمام الساعة 5.55 دقيقة صباحاً اتصل الملك فهد بالملك حسين كانت القوات العراقية تبعد بتعد 6 كيلومترات عن مدينة الكويت وكان المطلوب أن تتم تسوية النزاع عند الحدود المتنازع عليها ولكن تعذر الاتصال بين القيادة الأردنية الوفية للوساطة قبل ذلك اليوم وبعد ه وبين العراق الذي موقفه يتلخص بالانسحاب من الكويت استجابة لطلب من الدول العربية وليس تحت تهديد السلاح.

الموقف بعد ظهر يوم 2 آب:

زار الحسين الإسكندرية والتقى بالرئيس مبارك وبدأت الدبلوماسية الأردنية بالتنسيق مع الملك فهد واتجهت الجهود لاحتواء القضية عربياً، وكانت الولايات المتحدة في الصورة لسير هذه الجهود. وحتى ذلك الوقت كانت الدبلوماسية الأردنية تتجه نحو تحقيق: التزام العراق بالانسحاب من الكويت، وعقد مؤتمر قمة مصغرة في جدة لبحث النزاع.

وتم لقاء بين وزيري خارجية البلدية لتهدئة وزراء خارجية الخليج الذين كانوا على عجلة غير معتادة لإدانة العراق، لكن إذا أدين العراق فإن الأمور سوف تتعقد.

الموقف صباح 3 آب:

توجه الحسين لبغداد واجتمع بالرئيس العراقي الذي حقق المطالب السابقة وهي التزام بحل الأزمة والموافقة على حضور قمة جدة المصغرة يوم 5/8/1990م، بحيث تضم زعماء الأردن ومصر والسعودية واليمن.

أعلن العراق عن نيته الانسحاب من الكويت اعتباراً من مساء اليوم نفسه (3 آب).

بيد أن الموقف تعقد ووقع انقسام في الموقف فلقد أدين العراق وأدانت الجامعة العربية العراق وصوتت 14 دولة لصالح القرار، فيما امتنع الأردن واليمن والجزائر، وتحفظت موريتانيا وفلسطين والسودان، وعارضت العراق وليبيا.

هذا هو الانقسام الذي حصل في توقيت سيئ، فلقد تم تدارك الأمر في هذا اليوم (بعد يومين فقط من الأزمة لتجنب العرب ضياع هيبتهم منذ ذلك اليوم لكن لاحظنا أن التوجهات لإدانة العراق كانت منذ البداية).

النتيجة:

1. لم يعقد مؤتمر القمة في جدة.

2. تصلب موقف العراق.

3. مُهدت للجامعة العربية الطريق للتخلي عن حل الأزمة عربياً وفتح الباب أمام المطالب الدولية.

وتعزز تخلي الجامعة عن الحل في قرار يوم 10/8/1990م حيث تمت إدانة العراق والموافقة على طلب السعودية والخليج لإرسال قوات عربية للدفاع عن أراضيها.

ملاحظة:

إن القرارين الصادرين ما بين يوم 3 آب و10 آب مخالفان للمادة السادسة من نظام الجامعة العربية التي تنص على تبني القرارين بالإجماع في حين أنهما لم يصدرا بالإجماع.

قرارات مجلس الأمن:

أشار الكتاب لتأثير قرارات مجلس الأمن على الأردن وبالتحديد قرار 661 في 6 آب الذي عرض عقوبات على العراق.

قرار 665 25 آب الذي فرض حصارا بحريا وجويا كاملا.

ونظراً لأن فقرة (3) من قرار 660 في 3 آب تتضمن دعوة الطرفين للدخول في مفاوضات مكثفة لحل الخلافات فإن الأردن تفاءل خيراً ولكن تم تجاهل هذه النظرة دولياً.

استمرار الدبلوماسية الأردنية بعد 10 آب:

استمرت الدبلوماسية الأردنية بعد ذلك على أشدها ففي 3 آب ذهب الحسين لبغداد للاستمرار في الوساطة.

وفي 16 آب التقى الحسين بالرئيس بوش لم يكن هناك خلاف بين الطرفين فهما يريدان انسحاب العراق من الكويت.

بين الأميركيون موقفهم وأن قواتهم في مهمة دفاعية عن السعودية ونشطت الدبلوماسية الأردنية ومع ذلك كانت الأمور تتعقد يوماً وراء يوم وفي 23- 29 آذار، زار الحسين: اليمن والسودان وليبيا والمغرب وتونس والجزائر وموريتانيا.

في 30 آيار 5/9 زار الحسين اسبانيا، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا.

رحبت تلك الدول المهمة بالوساطة (ما عدا بريطانيا) في الوقت نفسه كان العراقيون يشجعون على تسوية تفاوضية ليست مفروضة فرضاً.

المبادرة:

في هذه الأجواء ظهرت المبادرة الأردنية الجزائرية المغربية في الرباط يوم 19/9/1990م.

وفي 12/9/1990م أرسل الحسين رسالة للرئيس العراقي صدام حسين وأشارت الرسالة لمطالب العراق القابلة للتنفيذ وهي: الحدود (حقل الرمية)، النفط، منطقة الخليج،

جواب العراق:

طرح العراقيون خيارين في رسالة حملها وزير خارجية العراق طارق عزيز يوم 29/أيلول 1990 وهما: حل عربي مثل اقتراح الأوراق يوم 3 آب (زيارة الحسين لبغداد)، مؤتمر دولي يربط بين أزمة الخليج وقضية فلسطين وقضية لبنان أيضاً.

رفض الأميركيون والإنجليز هذا الاقتراح العراقي ولكن تحقق في النهاية طلب العراق وتم الربط بين الأزمات الثلاث الدبلوماسية الأردنية.

الدبلوماسية الأردنية

استمرت الأزمة وفي أواخر شهر تشرين الثاني تصاعدت حدة الأمور وتم إصدار مجلس الأمن قراراً ضد العراق في 29/11/1990م لاستخدام جميع الوسائل الضرورية لاحترام وتنفيذ جميع القرارات الصادرة عن المجلس.

سارت الدبلوماسية في اتجاهين:

1. اتجاه الاستمرار في التأثير على العراق: وقد نجح الأردن في خطوة أسفرت عن إقناع العراق بالإفراج عن جميع المواطنين الأجانب الذين أعلن العراق استضافتهم. جاء قرار العراق بعد زيارة قام بها الحسين لبغداد في 4/12/1990م.

2. اتجاه مساعي خيرة مع بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا والاتحاد السوفيتي، لإقناعها باتخاذ خطوات من شأنها تلاقي خط الحرب.

وفي مطلع كانون الثاني 1991 حصل ما يلي:

• قام الملك حسين بزيارة إلى لندن وبون ولوكسمبورج وروما وطالب رؤساء هذه الدول تجنيب المنطقة ويلات الحرب وفتح العراق بابا للخروج من الزاوية الصعبة التي فرضت عليه.

• في الوقت نفسه يوم 9/1/1991 التقى وزيرا خارجية العراق والولايات المتحدة في جنيف بعد قطيعة خمسة شهور ولم يسفر اللقاء عن شيء، وزار (دي كويار) الأمين العام للأمم المتحدة العراق ولم يتحقق شيئا.

وفشلت محاولة فرنسا في 14/ كانون الثاني في أن يصدر رئيس مجلس الأمن بياناً يجنب المنطقة حرباً والسبب هو تدخل بريطانيا والولايات المتحدة.

خاتمة:

كان ما سبق عرض للكتاب الأبيض مع التعليق البسيط جداً الذي يفيد القارئ في فهم بعض المواقف أو توضيحها.

وكما لاحظنا فالكتاب عرض تاريخي ووثائقي والعرض لا يزيد على (25) صفحة فقط والباقي هو وثائق ونصوص عددها 15 وثيقة منها: قرارات للجامعة العربية يومي 3 و10 آب، كلمات وزير الخارجية الأردني في الجامعة العربية والجمعية العامة، كلمات لسمو الأمير الحسن في جامعة أكسفورد، خطب ورسائل لجلالة الحسين، إلى جانب المجموع العام للوثائق.

وهناك ملاحظات شكلية على عرض الكتاب فهو بحاجة للتبويب بحيث يتفق مع التسلسل التاريخي ولقد وقعت أخطاء مطبعية قليلة نسبياً.

ومن أبرز المعلومات التي في الكتاب هي تميز موقف بريطانيا ورفضها فكرة الوساطة وبخاصة في جولة الحسين مع مطلع أيلول 1990 في ايطاليا وفرنسا وألمانيا واسبانيا وبريطانيا حيث وافقت هذه الدول على الوساطة ما عدا بريطانيا التي تميزت عن هذه الدول وفي نظري فإن هذه المعلومات مهمة جداً للتاريخ.

[email protected]