الكتب الأكاديمية المصورة.. هل هي بديل مشروع أم اعتداء ممنوع?

الكتب الأكاديمية المصورة.. هل هي بديل مشروع أم اعتداء ممنوع?
الكتب الأكاديمية المصورة.. هل هي بديل مشروع أم اعتداء ممنوع?

منعتها قوانين الملكية الفكرية وحق المؤلف

 

         محمد جميل خضر

اضافة اعلان

   لم يشتر الطالب احمد جملة اي كتاب اصلي منذ قبوله في كلية طب الاسنان بالجامعة الاردنية قبل اكثر من ثلاثة اعوام, ويقول جملة "مستوى رابعة": "لولا الكتب المصورة عن النسخ الاصلية التي تبيعها المكتبات المتواجدة حول الجامعات بأسعار معقولة جدا لما تمكنت من مواصلة دراستي".

    ويوضح الطالب الذي التقيناه في احدى هذه المكتبات يشتري كراسات مصورة لمحاضرات وفصول من مواد يدرسها ان المشكلة في حالته وحالة من هم مثله تتمثل بوجود أعباء مالية اضافية على الاهل غير ثمن الكتب الباهظ, فهم كطلاب طب اسنان يحتاجون الى أدوات ومواد لصناعة الجسور والقوالب.

     ويقترح جملة الذي كان برفقة عدد من زملائه ممن يعانون نفس معاناته في حالة اصرار الجهات المعنية على تطبيق قانون حماية المؤلف ضمن سلسلة اجراءات تطبيق قوانين الملكية الفكرية بأن تصدر هذه الجهات كتبا طلابية, اسعارها في متناول الجميع.

     زميله في نفس السنة الدراسية ونفس التخصص محمود ابو رجيع قال إنه اشترى خلال الاعوام الاربعة الماضية كتابا اكاديميا اصليا واحدا "لحاجتي له وانخفاض ثمنه (19 دينارا) ولاحتوائه على صور ملونة تهمنا في مادة (ORAL GATHOLOGY)".

     وتضطر ديالا العجلوني طالبة السنة الثالثة في تخصص البستنة والمحاصيل لشراء النسخ المصورة من الكتب المنهجية "لعدم توفر الاصل, وارتفاع سعره في حال توفره, والتغير المستمر في الخطط الدراسية، ما يعني ان شراء كتاب يصل ثمنه الى 40 دينارا قد لا يفيد الطالب الا فصلا واحدا قبل ان يصبح قديما لصدور طبعة جديدة منه".

وتشير العجلوني انهم عادة لا يشترون الكتاب المصور كاملا بل الأجزاء المطلوبة منه.

     وتتفق رانيا الشاعر (طالبة سنة رابعة تخصص تغذية) مع العجلوني في الدوافع التي تضطرهم كطلبة، خصوصا في الكليات العلمية، الى شراء النسخ المصورة من الكتب الدراسية، وتورد بهذا الخصوص بعض الأمثلة "يصل سعر كتاب تغذية انسانية Human Nutrition الى 100 دولار، في حال توفره، لانه غير متوفر باستمرار".

    ما ذكرته الشاعر حول ثمن النسخة الاصلية لاحد الكتب المقررة في مناهجهم شجع صبا العابد (سنة ثالثة صيدلة) الى اعلان سعر احد كتب الصيدلة الاصلية (160 جنيها استرلينيا). وبالاستفسار منها اكدت ذلك وقالت انها تضطر رغم ان ظروفها الاقتصادية الافضل نسبيا من بعض زميلاتها وزملائها الى شراء الكتب المصورة.

    ولا يقتصر، بالاستناد الى ما لاحظناه، شراء الكتب المصورة على الطلبة المحليين. فالطالب السعودي علاء ادريس، احد طلبة البرنامج الدولي في الجامعة الاردنية تخصص هندسة صناعية، كان موجودا في ذات المكتبة التي تؤمن للطلبة نسخا مصورة بأسعار تتراوح ما بين ستة دنانير و25 دينارا لكتب أصلية تتراوح اسعارها ما بين 20 دينارا و450 دينارا.

     ويرى ادريس فيما هو يدفع ثمن نسخة مصورة من كتاب اكاديمي بان الطلبة ينبغي ان يستثنوا من قانون حماية المؤلف, وان تستثنى الكتب المنهجية من تطبيقات وتفسيرات قانون من هذا القبيل, وهو نفس ما حدث مع الطالبة الصومالية ايمان آدم التي تؤكد عدم قدرة الطالب على شراء ما بين خمسة وستة كتب في الفصل الواحد, وأقرت انها شخصيا ورغم انخفاض أثمان المراجع الخاصة بموادها كونها تدرس تكنولوجيا معلومات، الاقل كلفة قياسا مع كتب الطب وطب الاسنان والصيدلة، الا انها تضطر لشراء النسخ غير الاصلية من بعض الكتب، الى جانب شرائها الاصلية من بعضها الآخر.

     ويتهم أصحاب مكتبات نسخ وتصوير متواجدة حول الجامعات الجهات المعنية بالتسرع في تطبيق قانون حماية المؤلف دون الالتفات للخصوصية المحلية، كما ذكر صاحب مكتبة تتميز بشدة اقبال الطلبة عليها. ويقول صاحب المكتبة الذي رفض ذكر اسمه: "هناك ارتجال لم يضع باعتباره و جود 14 الف شخص يعملون في قطاع النسخ والتصوير بشكل مباشر او غير مباشر, وهو ارتجال لم يراع الاحوال الاقتصادية لمعظم شرائح الطلبة".

    وتساءل رأفت العامل في مكتبة أخرى مختصة بالنسخ والتصوير عن حجم استهلاك السوق المحلية من الكتب الاصلية رائيا انه "حجم مهما زاد، فإنه لن يؤثر على سوق الكتاب المنهجي العالمية". وطالب خالد، من مكتبة ثالثة، ان "يفكروا بإيجاد فرص عمل لـ 90 الف عاطل عنه سنويا لتبقى معدلات البطالة في مستواها الحالي ونسبها القائمة، وهي نسب تنذر بالخطر، فكيف اذا زادت عن ذلك?". وعلق خالد مشككا بمنطقية تطبيق القانون في حالة الكتب الخاصة بالطلبة ومراجعهم فيما هو يطلب "قرشا من طالبة ثمن تصوير حوالي 15 ورقة قبل ان يتوقف ويسأل "لمصلحة من يطبق هذا القانون بنصه وحذافيره?". واعتبر ان القرار يخلق عداء مجانيا بين اصحاب المكتبات والطلبة وبين ممثلي تطبيق القانون في المكتبة الوطنية.

     وفي مداخلة طريفة من أحد أصحاب المكتبات الذين تجمعوا لبث شكواهم، اورد سمير مثلا عن تجربة الهند التي منع حاكم احدى ولاياتها استخدام "غمازات" الاتجاه في حافلاتها الكبيرة والمتوسطة ليتسنى توفير اربع فرص عمل في كل حافلة من تلك الحافلات يجلس اثنان على الجهة اليمين داخل الحافلة واثنان على الجهة اليسار ويلوح اللذان على هذه الجهة او تلك بأيديهما حسب اتجاه الباص.

    ويشكو عدد من الطلبة غياب اسس واضحة عند اعتماد اعضاء هيئة التدريس لكتاب مرجعي ما. ويرى محمد الشاويش (طالب سنة رابعة تخصص موارد زراعية) بان العلاقات الشخصية ومزاجية مدرس المادة تلعب دورا اساسيا في وقوع اختياره على كتاب دراسي ما, وهي اختيارات عادة ما تكون غير موفقة. وعلل الشاويش ذلك بعدم توفرها في السوق خصوصا ان بعض اعضاء هيئة التدريس يصرون على مراجع باتت قديمة بسبب علاقة ما تربطهم بمؤلف الكتاب الاجنبي.

     وفي حين يؤكد الطالب السعودي علاء ادريس ان الحكومة في بلدهم تتكفل بما نسبته 75 في المائة من ثمن الكتب الاكاديمية، فإن اصحاب مكتبات النسخ والتصوير يذكرون اسعارا خيالية لبعضها تصل الى 550 دولارا كما في حالة الكتاب المختص بالجراحة SESAP 12, وهي اسعار يتحمل الطالب عبأها وحده, ويصل ثمن كتاب Pharmacothera الذي يحتاجه طلبة الطب والصيدلة الى حوالي 700 دولار.

     وتؤكد الطالبة في سنة الخامسة صيدلة ساجدة محمد "ان الطالب، أو على الاقل هي شخصيا، مستعدة لدفع 20 دينارا لأثمن كتاب دراسي، لكن الاسعار في حالتنا اعلى من هذا الرقم بكثير". وتعقد ساجدة مقارنة بين الكليات الانسانية والكليات العلمية، وتقول ان الكتب في حالة الكليات الانسانية يؤمّنها مدرسو المواد, ويصل ثمن بعض كتب الصيدلة، كما تؤكد زميلتها في نفس التخصص والسنة الدراسية منال الريان، الى 120 دينارا، مطالبة بمراعاة مصالح الطلبة عند تطبيق قانون حماية المؤلف "خصوصا في الكليات العلمية".

    ولا يقتصر عدم توفر الكتب على مرحلة البكالوريوس، فطالب الدكتوراه حسين سلامة الذي يدرس الادارة المالية في الاكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية يشير الى عدم توفر بعض كتبهم المنهجية، ويذكر انه ورغم تفضيله الاحتفاظ بالنسخ الاصلية من كتب مساقاته الدراسية، الا ان عدم توفر بعضها يضطره الى الحصول على النسخ المصورة منها.

    ويذكر مدير عام المكتبة الوطنية مأمون التلهوني ان دور المكتبة ينحصر في تطبيق قانون حق المؤلف "ومحاولة منع اي تعد على اصحاب الحقوق بغض النظر عن المصنف", ويورد في السياق المواد القانونية المتعلقة بالمسألة ويقول: "لدينا قوانين واضحة وعلينا الالتزام بها, ومدى الضرر او وجوده من عدمه تقرره المحكمة".

    وأكد التلهوني ان الأردن ملتزم باتفاقيات دولية وقع عليها واهمها فيما يتعلق بقوانين الملكية الفكرية اتفاقيتا "برن" و"تربس"، ويوضح ان الاستثناءات الواردة في قانون حماية المؤلف هدفها خدمة الجامعات والمكتبات كما جاء في المادة 20 من القانون وتعديلاتها التي تقول "يجوز للمكتبات العامة ومراكز التوثيق غير التجارية والمعاهد التعليمية والمؤسسات العلمية والثقافية ان تنسخ اي مصنف بالتصوير الفوتوغرافي او بغيره وذلك دون اذن المؤلف ويشترط في ذلك ان يكون النسخ وعدد النسخ مقصورا على حاجة تلك المؤسسات وان لا يؤدي ذلك الى إلحاق الضرر بحقوق مؤلف المصنف, وان لا يتعارض ذلك مع الاستغلال المادي للمصنف".

    وتمنح المادة 6 المعدلة للفقرة "ب" من المادة "36" الحق لموظفي مكتب حماية حق المؤلف تفتيش اي مكان يتولى طبع المصنفات او نسخها او توزيعها، بما في ذلك وسائل النقل, كما تمنحهم حق حجز النسخ وجميع المواد المستعملة في ارتكاب تلك المخالفات واحالتها مع مرتكبيها الى المحكمة. وللوزير حق الطلب من المحكمة اغلاق المحل.

    ويشن موظفو مكتب حماية حق المؤلف مستندين الى تلك المادة حملات تفتيش عشوائية على مكتبات النسخ والتصوير للتأكد من التزامها بالقوانين ذات العلاقة خصوصا المادة "2" المعدلة للمادة "9" التي لا تجيز لغير المؤلف التصرف بالمصنف بالاستنساخ او التصوير او التسجيل او الترجمة او التأجير او التوزيع او النسخ عن طريق البيع او اي تصرف آخر ناقل للملكية.

    ويطالب التلهوني، الذي يشكك بدقة الارقام المتعلقة بالقوى العاملة في قطاع النسخ والتصوير والخدمات الطلابية، المهتمين بالاطلاع على تلك القوانين وتعديلاتها وعلى الاتفاقيات التي يحرص الاردن ان يكون سباقا على توقيعها والالتزام بها, لما يسهم به التزامه هذا من رفع مكانته الدولية وزيادة تقديره واحترامه, وزيادة الثقة بهيئاته التشريعية والقضائية والتنفيذية.