الكذب كنقص ثقة بالنفس

هاشم نايل المجالي الكذب من ابشع الصفات التي يتصف بها الانسان لانعكاساته على علاقاته بالآخرين ولمضاره السلبية العملية والاجتماعية والاسرية، بالاضافة لكونه محرماً في مختلف الشرائع السماوية، وهناك من اعتاد على الكذب واصبح محترفاً وهو ايضاً يعتبر من الجرائم التي يحاسب عليها القانون للشخص الكاذب. لذلك قامت الشركات الكبرى بصناعة جهاز اسمه بوليغراف اخترعه جون لارسون العام 1921م، حيث تم تطويره لمواصفات اعلى وهو جهاز يعتمد على الظواهر الفسيولوجية التي تظهر على الشخص عند التحقيق معه، ويُظهر هذا الجهاز مدى مصداقيته من خلال الظواهر اللاإرادية التي لا يستطيع الشخص التحكم بها، مثل معدل تسارع نبضات القلب ومعدل زيادة نسبة التعرق للجسم واختلاف درجة التنفس وارتفاع ضغط الدم وغيرها من العلامات التي يتم رصدها، والجهاز يتلمس هذه المتغيرات بكل دقة، فالاجهزة الأمنية تستخدمه، كذلك يستعين به القضاة بالدول الاوروبية، رغم عدم الاعتماد على دقة النتائج الا انه يعطي الكثير من المؤشرات التي تدل على مدى صدق او كذب الشخص. الجهاز يثير اضطرابات للعمليات الحيوية في جسم الشخص الخاضع للفحص، والمخ يعرف الحقيقة لمحور الاستجواب حول الموضوع المطروح والتي يحاول الشخص التنصل من ذكرها، لذلك يكون هناك تضارب في المشاعر ونشاط غير مألوف لوضع الجسم بالحالة الاعتيادية. وهناك اشخاص مجرمون بغض النظر عن مكانتهم العملية او الاجتماعية محترفون بالكذب بأنواعه، وهناك من أقسموا اليمين على الصدق بالتعامل والعطاء بإخلاص، الا انه تبين بعد ذلك ان ملفاتهم تحولت الى هيئة النزاهة والشفافية، ومنهم من قبع بالسجن. ماذا لو توفر مثل هذا الجهاز لدى احدى الجهات الرقابية او الرسمية ليكشف اكاذيب هؤلاء الاشخاص الذين هم مجرمون بحق وطنهم ومجتمعهم. أنا على قناعة انهم سوف يتدربون على مواجهة مثل هذه الاجهزة من خلال اخذ مضادات للتعرق، وعلى الطرق للتحكم بضغط الدم من خلال عملية التنفس وآلية تنظيمها وغيرها من الوسائل المستخدمة من اجل التخلص من نتائج امتحان الجهاز، فلقد اصبح الكذب مهنة وحرفة احتراف وهو مرض يصيب الانسان، فلقد اصبح هناك كذب قهري لم يتم تشخيصه كمرض بحد ذاته. لكن تم وضع السمات الرئيسة له مثل ان يتكلم الشخص لجمهور قصصاً مؤثرة ومشاريع غير قابلة للتصديق، والاخطر انه يصدق ما يقوله من اكاذيب على انه يوماً ما ستتحقق هذه القصص او المشاريع وهي من نسج خياله وغير واقعية، وحقيقية المشكلة ان مثل هذه القصص تتكرر مرة بعد مرة وانه يلجأ الشخص اليها لأنه خاوٍ من أي معطيات فكرية او عملية. كم سمعنا عن مشاريع استثمارية ومدن سكنية وقطارات تجوب المحافظات وغيرها الكثير، الا ان تلك المشاريع بقيت حبرا على ورق يتناقلها المسؤولون جيلاً بعد جيل مع إجراء بعض التعديلات البسيطة حتى يصدقها المواطن. نحن فعلاً بحاجة لجهاز لفحص مصداقية كل مسؤول وتحديد درجة صدقه من كذبه، لعل وعسى أن نصل الى مرحلة العمل التنفيذي والانجاز، فهناك علاج معرفي سلوكي مفيد عند اختيار الاشخاص ليتسلموا مناصب قيادية حتى تخلو نفوسهم من الافكار السلبية ليقولوا الحقيقة. هناك من يعتبر انه بالكذب سيكسب تعاطف الآخرين وجذب انتباههم او لإلهائهم، لكن متى تبين كذبهم حيث سيخسرون ثقة الناس بهم، وتصبح النتيجة عكسية. ان السبب الذي يلجأ فيه هؤلاء للكذب هو نقص الثقة بالنفس ونقص عامل الامان والاحساس بالخوف من شيء مرتقب، فهو يعتبر ان الكذب يحقق له الحماية وتأكيد الذات، ليصبح الكذاب فيما بعد سجيناً لكذبه، فهو اشباع وهمي لرغبات مكبوته لا يقدر ان يحققها.اضافة اعلان