الكرامة يا دولة الرئيس

عندما نُعَنون المقالة بهذا الخطاب فيعني أنّ الأمر جلل. والأمر الجلل ها هنا هو كرامة الشّعب الأردنيّ. فإذا كان الشّعب الأردنيّ، مثل كثير من الشّعوب العربيّة، لم يعد يسكت على ضيم سياسيّ، فإنّه لن يسكت على ضيم الاقتصاد، الذي هو أشرس أنواع الضيم إطلاقاً؛ لأنّه يمسّ مبدأ الحياة نفسها واستمرار العيش على هذه الأرض وإعمارها. فكيف يُعمرُ الأرضَ جائع أو معدَمة؟ وبأيّ الأدوات تُنشِئ الشّعوب أوطانها وتصونها قبل أن تشبعَ معدتُها؟اضافة اعلان
وإذا كانت القرارات المتّصلة بواقع مثقلِ التركة من غياب الحريات، تحتاج من أجل اتّخاذها إلى الحكمة والخبرة والإبداع والرؤيا، فإنّ الاقتصاديّة منها تحتاج إلى مبالغ لا تحصى من هذه الحكمة والخبرة والإبداع والرؤيا! فالفقر لا حلّ له سوى الشفافية في التعامل، وطلب الرأي من أهل الاختصاص وجموع الناس المتضرّرة، والأمانة في "تدبير الحال" وعلى طول اللحاف!
وقد مضت أزمان كان فيها الفساد يأكل أخضر البلاد ويابسَها؛ فساد "حرمنة"، وفساد قرارات اقتصاديّة رعناء أودت بمستقبل البلد إلى ما شاء الله! ولكنه فساد ما تزال آثاره تسري على رقابنا، مهما حاولنا فكاكاً.. فمن نهبَ نهبَ، ولا عودة إلى الماضي إلا بشنّ حملات قويّة عليه، وتمكين الشّعب من أن يعرف معرفة يقين سارقيه ومخطّطيه الاقتصاديّين الذين ورّطونا فيما نحن فيه اليوم. والحلّ هنا محاكمات اقتصاديّة تطال الظّلَمة في قبورهم، والأحياء الذين لا ينبغي أن يفلتوا من العقاب التاريخيّ. ولكن العقاب –مع أنه يردع– لا يكفي، وقد لا تُسترد أموال، فما العمل؟
خرج علينا السيد رئيس الوزراء بحلّ مبتكر فعلاً، لم يقل به أحد في بلدنا من قبل، وهو إلغاء الدعم عن المواد الأساسيّة، مقابل شيكات تحررها الحكومة لأفراد الشّعب المتضرر، بحيثُ لا يصل الدعم إلى الطبقة الثريّة (التي اغتنت في غياب سياسات اقتصاديّة تحمي الطبقة المتوسّطة، وتقف في وجه تغوّل المال).
ومع أنّ الحلّ مبتكر، لكنّه يبدو لي بعيد المنال عن التّحقيق، ناهيك عن تشابكه مع موضوع الكرامة الإنسانيّة. إذ لم نسمع عن دراسات أجرتها هذه الحكومة أو من سبقها حول إمكان هذا الحلّ، وآليات تنفيذه. ولم تُعدّ الحكومة المجتمع له، بمؤتمر –مثلاً– جامع كلَّ القوى والموازين وأهل الرأي والاختصاص، لتدارس المزايا والعيوب. وكأنّ كلام الحكومة –أياً كان هذا الكلام– مقرّر دراسيّ أو كتاب سماوي، لا نقاش فيه ولا ردّ له!
لديّ حرقة أن أسمع تفسيراً واحداً يقول لي إن فئات معينة من الشّعب لن تُهان وهي في طريقها إلى الحصول على الشّيكات الشّهريّة! بنفسي أن أتأكّد من أنّ الشيوخ والنساء لن "يتبهدلوا" أمام شبابيك الدولة بانتظار الحنان الاقتصادي! ليتني لا أتشاءم وأنا أتوقّع دم الكرامة يسيل إلى حين تأكّد الدولة من أني –مثلاً– وغيري، لا أحصل على ثلث الألف دينار هذه، التي هي حدّ الكفاية! ولا تحدثنا الدّولة عن وزارة الشؤون الاجتماعيّة ودورها الهزيل في حصر شرائح الفقر المدقع، ففي المجتمع يا دولة الرئيس طبقة متوسطة، أهينت، وأزيحت عن وسطيّتها، وما تزال تجد أن من قلّة الكرامة أن تُثبت لأحد أنها في القلّة والتضوّر وربما في الجوع!
ابحثوا عن حلّ آخر لترميم الثوب الذي خرّمته سياسات وخروقٌ في الدين والضّمير والتسيّب القانونيّ!
ألا ما أسفه الأمل عندئذٍ!