"الكفالة" يجسد دور المثقف في مواجهة الواقع

Untitled-1
Untitled-1
معتصم الرقاد عمان- افتتح العرض المسرحي "الكفالة"، أول من أمس، أول العروض المشاركة في مهرجان المسرح الأردني 2019، على المسرح الدائري في المركز الثقافي الملكي. "الكفالة" عمل مسرحي يمثل أحدث تعاون ما بين المخرج د.مخلد الزيودي والفنان نصر الزعبي، هذه الشراكة التي بدأت مبكرا بأعمال ملتصقة بالواقع والتاريخ والوقائع والأسماء الأردنية، والتي تركت أثرا في الحركة الفنية، وفي الوجدان الأردني، ولعل "أم الكروم" ما تزال ماثلة بالبال، وما آل إليه الوضع؛ حيث كانت بمثابة نبوءة، تم استقراء المستقبل بها. "الكفالة" هذا الوجع الماثل فينا؛ فمنذ بداية العرض، تلك الدوائر والممرات المستطيلة توهم المتلقي في البداية أنها تفضي الى فضاء آخر، لكن مع توالي لوحات العرض، وبكل ما تفرضه على المتلقي من إحساس بالضيق والحصار، تأتي الخاتمة مع أغنية من تراثنا، تقلب هذا الواقع؛ حيث يتوجه الممثلون للجمهور بمقولة "قوموا اطلعوا عالدرج.. الوطن أغلى". "الكفالة" حكاية "سعيد" الشاب الحالم الطموح، المثقف، يجد نفسه منسيا لمدة 20 عاما، في اعتقال عشوائي، وبدون تهمة، وتقرر المحكمة إخراجه لعدم ثبوت أي جرم عليه. "حمدان" السجان الذي يحرس سعيد، وعاش معه المدة نفسها، ووجد نفسه هو الآخر وكأنه سجين، حيث الروتين نفسه والأيام ذاتها، ولا شيء في حياته سوى حراسة "سعيد"، وهذه المدة ولدت صداقة وثقة بينهما، لكن سعيد هو الآخر يريد أن يتحرر من "سعيد"، على أمل أن يحدث تغيير في حياته يكسر إيقاع 20 عاما رتيبة في حراسة السجين "سعيد". "الكفالة" تحتاج الى "كفيل"، ويبدأ "سعيد" بإعطاء "حمدان" أسماء من يعرفهم، وسط لهفة الاثنين للخروج، وخيبات الأمل المتكررة لعدم الاستجابة، حيث الأخ وابن العم والمثقف، الحبيبة، وغيرهم، لكن كلا "السجينين" لا يفهمان ردود الفعل السلبية، ففي 20 عاما تغيرت النفوس، وسادت أنماط من العلاقات والطبقات والتبعية والتنكر للمرجعيات. "الكفالة" يضع المتلقي أمام نفسه، ليطرح على نفسه السؤال الراهن، عن هذا الذي تغير، عن الأحلام التي تبخرت، عن هؤلاء الطارئين علينا، عن الذين يتحكمون بمصيرنا وبمستقبل أبنائنا، عن كل هذا الخراب والفساد والتغريب. في "الكفالة" يبرز دور المثقف الحقيقي في مواجهة الواقع، وأن يكون خارج سرب الخنوع والممالأة، والانتهازية، والانكفاء للداخل، دور المثقف في التنوير، وتحفير العقل على التفكير، وتحصين الوجدان الجمعي من القبول المتواطئ، أو الخائف. في "الكفالة" لا شعارات، ولا صريخ، ولا مزايدة، ولا مباشرة فجة، منذ لحظة الاستهلال، الفنان نصر الزعبي في عمق المسرح، ودائرة ضيقة تحيط به، يحمل عوده ويدندن بـ"الجرح" مؤسسا لثيمة تتوالى مع كل لوحة، تؤسس لها وتهيئ ذهن المتلقي لها، بالإضافة الى الأغنية الأخيرة. ومن خلال الموسيقى يطرح سؤال عن الأجندات التي يتعرض لها النسيج الثقافي الأردني الحقيقي، ومن طروحات وقحة تحت عنوان المسرح مرة أو الموسيقى أو من خلال كتابات ملتبسة مرة أخرى. "الكفالة".. قراءات بمستويات مختلفة، قد تتسع دائرتها على مستوى الوطن الكبير، وقد تلامس دوائر أصغر، وبأداء متفهم لطبيعة الشخصيات؛ حيث يقدم كل من "بكر الزعبي وراتب عبيدات" أداءين مميزين ومقنعين، ويدلان على موهبة كبيرة، وسيشكلان إضافة حقيقية للمسرح والدراما الأردنية. "الكفالة" عمل يعود به المخرج د. مخلد الزيودي، ليؤكد أهمية صوت المثقف في زمن التراجع، بأدوات فنية متمكنة، وبمسرح يقترب من الناس، ويشبههم بدون تعال أو فذلكات؛ حيث يقدم هذا الخطاب الجارح، مع لحظات من الكوميديا التي لم تؤثر على المستوى ونوع الخطاب. يذكر أن "الكفالة" مأخوذ عن نص د. عبدالكريم السوداني، ومن إعداد وإخراج د.مخلد الزيودي، وموسيقى دراماتورغ وسينوغرافيا نصر الزعبي، والإضاءة أمجد المراشدة، وتمثيل بكر الزعبي وراتب عبيدات.اضافة اعلان