الكلالدة وفريقه!

لم يكن تنصيب د. خالد الكلالدة رئيسا لمجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب مفاجأة كبيرة، على الرغم مما سبق هذا التعيين من سيناريوهات تضمنت العديد من الأسماء. بل إن الحديث عن تولي الكلالدة لهذا المنصب بدأ حتى قبل أن يتقدم أعضاء مجلس مفوضي الهيئة السابق باستقالاتهم. ولذلك، فإن الحديث لم يكن عن اسم رئيس الهيئة الجديد، بقدر ما كان عن أسماء بقية المفوضين، وهو الأمر الذي لم يتمكن أحد من التكهن به حتى لحظة إعلان الأسماء.اضافة اعلان
لا خلاف على أن الكلالدة سياسي محنك وذكي وصلب ومتمرس، سواء عندما كان خارج الحكومة أو بعد أن دخلها. ولا خلاف على أن وزير الشؤون السياسية السابق هو أحد أكثر العارفين بتفاصيل قانون الانتخاب الجديد، بحكم أنه ساهم في صياغته والترويج له والدفاع عنه. وللتاريخ، فإن الرجل كان من أنصار القانون بصيغته الحالية قبل أن يدخل الحكومة وعندما كان في مصاف المعارضة، بل يذهب بعض المراقبين إلى القول إن الكلالدة دخل الحكومة خصيصا من أجل هذا القانون.
لكن خبرة الكلالدة السياسية والفنية لا تعني أن الطريق أمامه مفروشة بالورود؛ فالعمل من أجل إقرار قانون ما شيء، وتطبيقه على أرض الواقع شيء آخر تماما، خاصة عندما نتحدث عن قانون الانتخاب الذي لا يمكن تطبيقه بمعزل عن كم كبيرة من التشريعات اللاحقة له؛ من أنظمة وتعليمات يجب أن لا تراعي فقط نصوص القانون والدستور، بل يجب أن تقترب أيضا حد التطابق من المعايير الدولية المتعارف عليها لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة وعادلة. وحتى هذه الحزم التشريعية لن تكون كافية إذا لم تتوفر الأدوات الصحيحة لإنفاذها، وبما يشمل كوادر الهيئة المستقلة للانتخاب، والعلاقات بين "الهيئة" وباقي مؤسسات الدولة المعنية بالعملية الانتخابية، كما علاقة "الهيئة" بمؤسسات المجتمع المدني الوطنية والدولية المعنية بالشأن الانتخابي.
ولعل نقطة البداية يجب أن تكون في توفر الانسجام الكامل بين أعضاء مجلس مفوضي "الهيئة"؛ فهذا المجلس هو المسؤول، أولا وأخيرا، عن رسم السياسات العامة للهيئة، وإقرار حزم التعليمات التنفيذية، واتخاذ كل القرارات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية. ولا يمكن بالتأكيد الاعتماد كليا على قدرات رئيس "الهيئة" وحيدا، ولذلك يجب أن تصل حالة الانسجام داخل مجلس المفوضين إلى أعلى مستوياتها، وبأسرع وقت ممكن لضمان تسيير العملية الانتخابية بكل مراحلها واستحقاقاتها بسلاسة ويسر.
الأمر الآخر المهم يتعلق بكوادر "الهيئة" التي ستطبق القانون والتعليمات على أرض الواقع. ومع تأكيدنا على وجود كوادر ممتازة في "الهيئة"، إلا أن هذا لا يعني عدم الحاجة المستمرة إلى التدريب والتطوير، خاصة ونحن نتحدث عن نظام انتخابي جديد. وهنا علينا الأخذ بعين الاعتبار تطبيق هذه الكوادر للمراحل المختلفة في العملية الانتخابية، ومنها تسجيل المرشحين، وإدارة مرحلة الحملات الانتخابية، وصولا إلى يوم الاقتراع، ومن دون أن ننسى حملات التوعية والتثقيف المطلوبة في هذه الانتخابات بشدة.
وحتى لو كانت "الهيئة" دستوريا هي الجهة المسؤولة عن إدارة الانتخابات والإشراف عليها، فإنها لن تتمكن من تنظيم انتخابات جيدة إذا لم يكن هناك تعاون على كل المستويات بينها وبين أجهزة ومؤسسات الدولة الأخرى، فدعونا لا ننسى أن الكوادر البشرية التي ستعمل على الأرض، وخاصة يوم الاقتراع، هي كوادر منتدبة من وزارات أخرى. كما أن التعامل مع المخالفات الانتخابية يكون من خلال الأجهزة الأمنية والحكام الإداريين والبلديات، ولذلك فإن التنسيق الإلزامي مطلوب حتى لا يتكرر بعض مما حدث في الانتخابات السابقة، حين اشتكت "الهيئة" نفسها من ضعف استجابة بعض مؤسسات الدولة لطلباتها.
بقي أن نقول إن أي انتخابات في العالم لا يمكن أن تكتسب قدرا عاليا من النزاهة والعدالة إذا لم يكن هناك دور فعال لمؤسسات المجتمع المدني، خاصة في عمليتي المراقبة والتوعية. وقد أثبتت التجارب السابقة حرص "الهيئة" والمجتمع المدني على التعاون من أجل تجويد العملية الانتخابية وزيادة ثقة الناخبين بها.
كل ما سبق ينتظر عملا كبيرا من رئيس "الهيئة" الجديد وفريقه. وهو عمل شاق ومليء بالتحديات، كما أنه أيضا زاخر بالفرص، وأعتقد أن فرصة إجراء انتخابات تاريخية كما وصفتها الحكومة، قائمة إذا كانت الأطراف المعنية كافة على أتم الاستعداد سياسيا وفنيا.