الكل سبقنا

سلامة الدرعاوي

الأردن أول المبادرين لإطلاق المدينة الإعلامية الحرة العام 1999، ولاقت الفكرة وقتها حواراً صريحا وجريئاً غير مسبوق بين مختلف الجهات لكن في النهاية مع كُل أسف وئدت الفكرة التي انتقلت بسهولة وسلاسة إلى دبي، حيث باتت المدينة الإعلامية هناك احد أكبر المشاريع الاستثمارية الجاذبة لكبريات المحطات الفضائية والمراكز الإعلامية المختلفة.اضافة اعلان
والأردن أول من بادر بمفهوم الحكومة الإلكترونية، وباتت المملكة حاضنة لأهم الخبرات والكفاءات في هذا المجال على الإطلاق، وبدأت قصص النجاح تظهر شيئاً فشيئاً، لتختفي الكفاءات البشرية الأردنية وتغادر مواقعها الرسمية والخاصة في الأردن إلى دول الجوار التي هي الأخرى شرعت ببناء منظومتها الإلكترونية وحققت نجاحات مبهرة على كافة الأصعدة الخليجية والرسمية في معظمها ان لم يكن في كل مؤسساتها ودوائرها الرسمية، وباتت تقدم اعلى درجات الخدمات الممنهجة وبجودة عالية، وبنفس الوقت قضت على أي سلوكيات إدارية فاسدة ومزاجية المسؤول في التعامل مع المواطنين والقطاع الخاص.
كان الجهد الإداري الرسمي المحلي يضرب فيه المثل بالكفاءة والإنجاز والعمل الدؤوب، لكن للأسف هذا المشهد تغير بالنسبة لنظرة الخارج والداخل للموظف في القطاع العام حيث بات مثالاً مع كُل أسف للضعف الإداري والتراجع في الإنجاز والبيروقراطية السلبية.
حتى السياحة العلاجية التي كانت المملكة السباقة في هذا المضمار النوعي بفضل الكفاءات والإدارات الاستثمارية والموارد الطبيعية التي توجد في المملكة وغير موجودة في أي مكان بالعالم، تراجعت هي الأخرى في السنوات الأخيرة نتيجة الممارسات السلبية التي صدرت من جهات مختلفة تجاه هذا القطاع الذي باتت دول الجوار والعالم تتسارع في تطويره لديها، وصناعة سياحة علاجية لديهم بأقل الموارد.
والأمر قد يكون مشابهاً في قطاعات الصحة والتعليم بمستوياته المختلفة، فبعد ان كان الأردن يحتل مراتب متقدمة فيها على صعيد المنطقة، حدث تراجع مخيف أشبه بالنكسة في مراتب المملكة.
لقد كان الأردن سباقا في الكثير من المبادرات والقطاعات التنموية المختلفة، وقصص نجاح هائلة، لكن عدم وجود العمل المؤسسي الرسمي الجاذب والمطور لهذه المبادرات والمشاريع الناجحة أدى الى هجرتها بكفاءاتها الإدارية للخارج، وهو ما تسبب في تراجع مراتب الأردن في هذه القطاعات بشكل محزن للغاية، وهو ما يستدعي فعلا ان يقف راسمو السياسات في الدولة وقفة تقييمية وحسابية فيما بينهم لمعرفة الأسباب التي أدت الى هذا التدهور، والعمل على إحياء هذه القطاعات بخطة عمل تنموية ونهضوية تبدأ من الإنسان أولا وأخيرا وقبل كُل شيء.
نحتاج في الأردن إلى ثورة إدارية جديدة تعيد البريق للقطاع العام، وتزيد فاعليته ودوره الابتكاري لا الاتكالي في المرحلة المقبلة، فجميع الدول التي حولنا والتي كانت متأخرة وبيننا فجوات كبيرة باتت في المقدمة، وبتقدم هائل في زمن قياسي، فالعبرة ليست بالتشخيص بقدر ما هي مدعومة بإرادة سياسية عليا متوفرة للتنفيذ الفوري لأي مشاريع إصلاحية تطويرية تخدم البلاد.