الكوميديا السوداء ثيمة أفلام الافتتاح لمهرجان الفيلم الفرنسي

مشهد من فيلم "الجمعة الأخيرة" - (أرشيفية)
مشهد من فيلم "الجمعة الأخيرة" - (أرشيفية)

إسراء الردايدة

عمان- تختلف طريقة تعامل كل فرد مع معاناته ومع وضعه الصعب وطريقة تجاوزه له، كما أن حله لمشاكله أيضا يعتمد على شخصيته، وهذا ينطبق مع تعامل المخرج مع النص الموجود بين يديه، ليقدم رؤيته الخاصة، بصور تختلف تحليلاتها بحسب المتلقي وثقافته.اضافة اعلان
هذه العناصر كلها كانت محور عروض اليوم الأول للدورة الثامنة عشرة من فعاليات مهرجان الفرنسي العربي الذي انطلقت أول من أمس برعاية سمو الأميرة ريم علي في مركز الحسين الثقافي.
وهذا ما تضمنه أيضا العرض الأول لفيلم الافتتاح "الجمعة الأخيرة" لمخرجه يحيى العبدالله، وتبعه عرض الفرنسي "دجاج برقوق" لمخرجيه الإيرانيين مرجان ساترابي وفنسان بارونو.
وكانت السفيرة الفرنسية في الأردن كورين بروزيه بينت في كلمتها الافتتاحية أن هذا المهرجان يكمل مسيرة التبادل الثقافي، ويمد جسور التعاون بين البلدين، ويعكس الفن السينمائي، منوهة إلى أنه يتميز هذا العام بحضور أردني مميز للمرة الأولى من خلال عرض ثلاثة أفلام طويلة.
ولفتت بروزيه إلى التطور الذي شهده المهرجان خلال هذه الأعوام على الصعيدين العربي والمحلي، مشيرة في الوقت نفسه إلى الشعار الذي اتخذه المهرجان لنفسه منذ العام لماضي، وهو الصقر، وابتكره الفنان والنحات الأردني حازم الزعبي، وهي ستمنح للفائزين الثلاثة في مسابقة الأفلام القصيرة في دورتها السادسة.
ويتميز فيلم يحيى العبدالله "الجمعة الأخيرة" بطرحه المختلف عن سياق الأفلام، إذ يسيطر الصمت على غالبية مشاهده، فيما تلعب الصورة دورا كبير للتأمل بعمقها وألوانها وكافة عناصرها، لتعكس حالة بطل الفيلم يوسف ولعب دوره الممثل علي سليمان.
أحداث الفيلم الذي عرض بحضور أبطاله، تتمثل في تغير حياة ووضع الأربعيني يوسف، وتغير وضعه الاقتصادي، لينفصل عن زوجته التي تتزوج بآخر، فيما ينتقل ابنه للعيش معها، فيما ينتقل هو للعمل من مندوب مبيعات لسائق تاكسي، وفي الوقت ذاته يعاني من مرض يمس كيانه ورجولته، ولا يملك نفقات العلاج.
شخصية يوسف تعكس طبيعة ذلك الرجل القوي، الذي يرفض المساعدة وتلقيها من أي أحد، عصامي يعيش في مجتمع تطغى عليه الصورة الذكورية، وأي شيء يمسها يعتبر حساسا، خصوصا إن ارتبطت بمرض أو عارض صحي يعكس هذا المعنى للرجولة.
ويستعرض الفيلم أيضا برغم طول مدته ومساحة الصمت الكبيرة فيه التي تسلم المشاهد للملل في بعض اللحظات، التغير اللجتمعي والاقتصادي وتغير الروابط الاجتماعية والأسرية وغيرها من الأمور التي تسبب السقوط والانحناء.
أبطال الفيلم هم؛ نادرة عمران وياسمين المصري والزميلة تغريد الرشق وعلي سليمان، اسهبوا بطريقة مختلفة إلى جانب الصمت في إبراز معاني الفيلم العميقة، التي من الصعب استيعابها للوهلة الأولى من مشاهد الفيلم التي تبدو ضبابية وغير واضحة.
ولكن تلك الخاصية التي وضعها المخرج يحيى العبدالله، جعلت من فيلمه ومن خلال الصورة الصامته، يحتل مساحة عميقة تتيح للمشاهد التأمل في التفاصيل المحيطة به، ومن خلال الكوميديا السوداء، تصبح اللغة أمرا مختلفا، لأن التفاصيل ترسم الصورة بأكملها وهنا تصبح الصورة أوضح.
أما عنوان الفيلم فمستوحى من "فيلم العشاء الأخير"، حيث تدور كلها بفترة قصيرة، يسعى خلالها البطل لإنجاز كافة الأمور التي طالما أراد تحقيقها قبل إجراء عمليته الجراحية، التي من المحتمل أن  تفقده قدرته على الإنجاب أو يبقى طبيعيا وموعدها هو يوم الجمعة.
ليس من السهل استيعاب فيلم العبد الله بعمقه وفلسفته، ولكنه حتما ميز في عروضه العالمية، حيث كان عرضه الأول في مهرجان دبي السينمائي، ونال الجائزة الخاصة للجنة التحكيم وجائزة أفضل ممثل، وجائزة أفضل تأليف موسيقي وعرض في مهرجان برلين في بداية العام الحالي، كما حصل على الجائزة الخاصة في مهرجان فريبورغ 2012 مؤخرا.
بينما كان فحوى الفيلم الفرنسي "دجاج برقوق" لمخرجيه مرجان ساترابي وفنسان بارونو والحائز على جائزة اللؤلؤة السوداء في مهرجان أبو ظبي العام الماضي، أكثر سوداوية وبسريالية ربما لعلاقة خاصة بين موسيقي وكمانه.
الفيلم الذي تدور أحداثه في زمن الشاه بإيران وأبطاله هم؛ ماتبو أمالريك وادوار بير وماريا دو ميديروس، يعيش بطله علي خان حالة من العاطفية الدرامية التي يقرر فيها الموت من بعد أن انكسر كمانه، بأفكار تعيد المشاهد لعصر الطفولة، فيما الموسيقى التي تربط بين الذكريات والتقدم بالسن حاضرة وكلها شكلت عناصر خلاقة.
"دجاج بالبرقوق" يربط بين معاني الحياة والحب بكافة أشكاله، وتدمر هذا المفهوم مرتبط بغياب العنصر الرابط، وهو ما يعود للسريالية بطريقة أو بأخرى، وفي ظل بحث علي خان عن كمان مشابه لكمانه المكسور، تظهر ردود فعل عنيفة لديه فيقرر بعدها الموت.
الفيلم بموسيقاه الحزينة وطريقة تعاطي كل من ساتابي وبارانو معا في عمل، يسير بطريقة سحرية كلاسيكية، مستمدة من السخرية التي جسدها كل ممثل وشخصية، فيما الحزن حاضر كملاك للموت.
يذكر ان الفنَّانة الإيرانية مرجان ساترابي مخرجة فيلمي "برسيبوليس" و"دجاج بالبرقوق"، وتعتمد في فيملها هذا كما عملت في فيلمها الأوَّل "برسيبوليس" الذي يتحدَّث عن سيرتها الذاتية وعن نشأتها في إيران ورحيلها إلى المنفى في فترة مبكرة على قصة من قصصها المصوَّرة؛ وفي هذا الفيلم ينتقل عالم الرسوم المتحركة بموجاته الضبابية اللطيفة إلى عالم السينما، ونال هذا الفيلم مؤخرا جائزة لجنة النقاد الخاصة في مهرجان دبلن للأفلام.

 [email protected]