الكويت: تجربة عربية فريدة

استطاعت الكويت أن تضع لنفسها موقعا مهما في الساحة العربية والإسلامية من خلال منظومة من المشاريع الثقافية والاجتماعية والاقتصادية العربية والدولية، مثل المجلس الأعلى للفنون والآداب، وهيئة الأعمال الخيرية، والصندوق العربي للتنمية، وتمثل هذه المشروعات اليوم رسالة عربية رائدة. فمجلة العربي التي تصدر منذ عام 1958 أي قبل الاستقلال الكامل للكويت ما زالت، منذ صدورها، المجلة العربية الأولى بحق والتي توزع في جميع أنحاء الوطن العربي، وتحمل رسالة ثقافية عربية شاملة. وإصدارات المجلس الوطني للفنون والآداب، مثل : عالم المعرفة وإبداعات ومجلة عالم الفكر والثقافة العالمية والتي يتواصل صدورها بانتظام منذ ثلاثين عاما تشكل مكتبة عربية وتوزع في الوطن العربي بما لا يقل عن خمسين ألف نسخة للعنوان الواحد، وكانت الصحف الكويتية في الثمانينيات(السياسة والقبس والرأي العام وغيرها) بين الصحف العربية الأولى في أهميتها وتأثيرها ومستواها المهني، وتقدم مشروعات هيئة الأعمال الخيرية والصندوق العربي للتنمية (تمويل كويتي واسم عربي) شبكة من الإنجازات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية في جميع أنحاء الوطن العربي والعالم الإسلامي.

اضافة اعلان

لكن مأساة الاحتلال العراقي للكويت عام 1990 كانت صدمة لم تفق منها الكويت بعد، برغم مرور خمسة عشر عاما على انتهاء الاحتلال، وما تزال تداعيات الغزو تتفاعل مثل "صندوق الشرور" الذي يقود من كارثة وأزمة إلى أخرى تسوق المنطقة والعالم إلى المجهول والمغامرة ودخلت الجزيرة العربية في دوامة من الأصولية المقاتلة امتدت إلى العالم كله، وظل العراق في مواجهة مع الولايات المتحدة انتهت باحتلاله ليس بسبب احتلال الكويت، ولكن في تداعيات عمليات العنف التي أعقبت تحولات حرب الخليج في أوائل التسعينيات(القاعدة وأخواتها).

بدأت الكويت بالطبع منذ سنوات عدة بالعودة التدريجية والتعافي النفسي والسياسي، وإن بقيت الحالة العراقية الكويتية أزمة كويتية وخليجية وعربية مستعصية على الحل، ولكن برغم ذلك فقد ظلت الكويت تحاول أن تتكيف مع الكارثة وتواصل رسالتها، فلم تتوقف مثلا مجلة العربي وإصدارات المجلس الوطني للثقافة، وأنشطة برامج المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية، وتحاول المجلات والإصدارات الكويتية ذات الطابع العربي الثقافي أن تتجاهل أزمة الاحتلال وتداعياتها السياسية.

وكان قدر أمير الكويت الشيخ جابر الصباح، رحمه الله، أن يقود الكويت في ظل أزمة كبرى عاتية امتدت منذ عام 1980بدءا بالحرب العراقية الإيرانية التي تأثرت بها الكويت سياسيا واقتصاديا، كما لو أنها جزء أساسي من الحرب، فقد حدثت أزمة المناخ الاقتصادية التي أدت إلى خسائر تفوق العشرين مليار دولار، وتعرض الشيخ جابر نفسه لمحاولة اغتيال في عملية يظن أن إيران كانت وراءها لتغيير الموقف الكويتي من الحرب، الذي وإن كان محايدا فقد كان أقرب إلى الطرف العراقي، ولكن نهاية الحرب كادت تودي بالكويت نفسها أو أودت بها بالفعل كدولة وعلى يد الطرف الحليف في الحرب(العراق)!

والواقع أن استمرار الازدهار الاقتصادي والاعتدال السياسي الكويتي يعد معجزة تحسب للقيادة الكويتية والشعب الكويتي الذي تجاوز بمستواه التعليمي وانفتاحه العريق والتقليدي على الوطن العربي، وأسس ديمقراطية عربية راسخة(نسبيا) في منطقة لا تشهد أي نوع من الانتخابات وحريات سياسية وإعلامية تنافس على المرتبة الأولى عربيا، وحقق مستوى متفوقا من التنمية البشرية على المستوى العالمي.

لم تعد الكويت بعد إلى حالتها في 1/8/1990 لكنها تقترب منها، ويجب أن يقال أيضا إن العرب مدينون للكويت لدورها التنموي والثقافي الرائد.