اللاجئون: السؤال الحرج!

مع أن مفردة "اللاجئين" هي الأكثر حضوراً في حديث المسألة الفلسطينية، إلا أن الجميع يصرّون دائماً على الهروب منها إلى الأمام، مرعوبين من السؤال الحرج الذي لا يرغب أحد بمواجهته: "اللاجئون الفلسطينيون: إلى أين؟". ولذلك، تواضع المحليون والخارجيون على تأجيل الحديث في هذا الشأن إلى ما يدعى "مرحلة الوضع النهائي". ومع أن هذا الإرجاء يتذرع بعدم تعقيد الأمور من بدايتها، فإن هذا الموضوع نفسه هو المرشح تماماً لأنّ يفجر الأمور عند نهايتها -إذا وصلت إلى نهاية أصلاً.اضافة اعلان
ما يريده اللاجئون الفلسطينيون هو كامل الحقّ في العودة والتعويض، باعتبار ذلك حل القضية الفلسطينية نفسه. ولا يعني الحل ما يقوله بعض المؤولين، أن يتمّ الاعتراف بهذا الحقّ من دون إتاحة ممارسته عملياً؛ وهو لا يعني عودة رمزية لبضعة آلاف من الفلسطينيين إلى أراضي 48؛ ولا يعني قطعاً حقّ الفلسطينيين في العودة إلى دولة ضمن أراضي 67 التي توجد فيها مسبقاً أعداد كبيرة من اللاجئين. وأرجو أن لا يكرهني أحد إذا بسطت حقيقة هذا الحقّ بلا مواربة: إنه حقّ اللاجئين الفلسطينيين، وأبنائهم وأحفادهم جميعاً في العودة إلى ديارهم التي هُجروا منها في العام 1948، لمن يرغب، كما نصّ على ذلك القرار الأمَمي رقم 194.
على أساس أخلاقية ومشروعية هذا التصور، من الطبيعي بالنسبة للاجئين أنفسهم والمراقبين العادلين، أن يكون موضوع خوف "إسرائيل" من الديموغرافيا غير ذي صلة. وينبغي التعلُّم من كيف وضعت هذه الـ"إسرائيل" أقدامها في الحائط، ونادت بحقّ يهود العالم في "العودة" إلى "أراضيهم" التي خرجوا منها قبل ثلاثة آلاف عام! ليس هذا فقط، بل قال الصهاينة إنهم حرروا "أرض إسرائيل،" وطردوا ويريدون طرد مَن تبقى من "المُحتلين" الفلسطينيين الذين انتزعوا بيوت اليهود في الزمن السحيق. والغريب أن العالم، والعرب، وبعض الفلسطينيين يقبلون بهذا المنطق المشوّه، ويساعدون في تكريسه.
بغض النظر، بافتراض أن الفلسطينيين حصلوا على حقّ لاجئي 48 في العودة من دون الحق في ممارسة ذلك الحقّ؛ حتى لو عنى ذلك إمكانية العودة إلى فلسطين في حدود 67: هل سيعني ذلك حلّ مسألة اللاجئين؟
أولاً: سيعني حقّ اللاجئين في العودة من دون عودة، أنهم سيبقون لاجئين، ببساطة، حتى لو أصبحوا لاجئين في "دولة فلسطين" 67. وستعني عودتهم الفعلية إلى اللجوء الجديد في دولة 67 قتل هذه الدولة بالازدحام، وخنقها تحت ثقل حاجات 11 مليون فلسطيني يفترض أن يتمكنوا من العيش فيها. وبذلك، سوف يُجبر اللاجئون الفلسطينيون على أن يتحولوا من "لاجئين" إلى "مغتربين" في المنفى -إرادياً في الظاهر، وبدفع الظروف القاهرة في الجوهر. فهل هذا حلّ لمسألة اللاجئين؟
ثانياً: يعني "تعويض" اللاجئين من دون عودتهم -بعيداً عن ماهية التعويض المقصود وإمكانية دفع كلفته الحقيقية- توطين الفلسطينيين في الأماكن التي لجأوا إليها. ودعونا نواجه المسألة بشجاعة: إلى أي حدّ يرغب الفلسطينيون في هذا "التوطين"؟ وإلى أي حد يرغب الآخرون في توطين الفلسطينيين؟ وهل يمكن واقعياً توطين الفلسطينيين من دون جعلهم "مواطنين" من الدرجة الثانية أو أدنى، والتشكيك في ولائهم؟ والأهم، هل سيكون بوسع الفلسطينيين أنفسهم قطع جذورهم ونسيان أشواقهم الأصلية والكف عن توريثها للأبناء؟
ثالثاً: إذا كانت هذه البدائل هي التي سيتم إقرارها دولياً، مع التحفظ على إمكانية ذلك، فإن هذا سيعني أن يوقع عليها فلسطينيون، يفترض أنهم يمثلون كلّ الفلسطينيين. ولكن، هل سيكون هؤلاء مفوّضين، أخلاقياً وعملياً، بالتنازل عن حقوق مواطنيهم؟ هلْ سيحصل هؤلاء على تفويض من اللاجئين بالتنازل عن حقهم في "ممارسة العودة"؟ وإذا لم يمنح اللاجئون الفلسطينيون لأحد مثل هذا التفويض، فهل سيعني ذلك حلّ مسألة اللاجئين، أم أن مسألتهم ستتعقد فقط بدخول عدوّ آخر –من داخل البيت- على الخط؟
بوضوح، تشير الحلول المغمغمة المطروحة لمسألة اللاجئين إلى شطبهم من الدفتر الفلسطيني جملة وتفصيلاً. وهو سعي مستحيل ولا أغبى، لأن اللاجئين لا يهربون من إجابة السؤال الحرِج واستحقاقاته التي يعونها وجودياً، ولا يقبلون عنها بديلاً: العودة الفيزيائية إلى أرض الآباء ذاتها، ولا غير!