اللحظة المناسبة

ثلاثة أحداث ومناسبات شهدها الأردن في السنوات الماضية، أفرزت حالات فريدة من الروح الوطنية والتعاضد، والتفاف الناس حول دولتهم وقيادتهم، وبعضهم بعضا، وكان التماهي بين الموقفين الشعبي والرسمي في أبهى صوره.اضافة اعلان
الأولى: كانت استشهاد الطيار معاذ الكساسبة؛ والثانية الاعتداء الإرهابي على القلعة في الكرك الذي وحّد أهل الكرك والأردنيين خلفهم؛ والثالثة الحالة التي نعيش لحظتها الآن والتي تنجلي بالتقارب غير المسبوق بين الموقفين الرسمي والشعبي حيال قضية مرتبطة بالسياسة الخارجية، ولا غرابة في هذه الحالة للمكانة الرفيعة التي تحتلها القدس لدى كافة الفئات الشعبية والدولة، وعلى رأسها قيادتنا الهاشمية.
لكننا نلاحظ من الحالات السابقة أنه بعد مرور فترة زمنية على هذه الأحداث سرعان ما نعود الى الحالة التي كنا عليها سابقاً من الفجوة بين المواطنين والمؤسسات وتراجع الثقة فيما بينهما.
والسؤال الذي يثار هنا هو: كيف يمكن الاستفادة من حالة التلاحم بين الموقفين الشعبي والرسمي في معالجة القضايا والمشكلات التي تواجه المجتمع الأردني داخلياً.
ليس خفياً على أحد الفجوة الموجودة بين المواطنين ومؤسسات الدولة المختلفة حيال القضايا الاقتصادية وبعض القضايا السياسية، سواء أكانت محلية أم إقليمية. هذه الفجوة تضعف قدرة الدولة على التعامل مع هذه التحديات ولاسيما الاقتصادية وغيرها.
نواجه في الأردن اليوم ظرفاً غير مسبوق، إذ هناك أزمة اقتصادية خانقة، وأزمة مالية أيضاً في ظل تراجع النمو الاقتصادي، وارتفاع المديونية، وأزمة اللاجئين السوريين.
والتحولات الإقليمية لا تقل أهمية عن هذه التحديات، وبخاصة إذا ما أخذنا بالحسبان التحولات الجارية في دول الخليج بعامة والسعودية بشكل خاص التي يبدو أنها تمر في مرحلة إعادة ترتيب الأولويات. وبروز تحديات إقليمية تواجه الأردن لم تكن معهودة سابقاً ولاسيما في ظل التشرذم العربي، والانهيار شبه التام لمنظومة العمل العربي المشترك، وتراكم الأزمات الإقليمية، والتباين المتزايد في الرؤى والمصالح للدول الوطنية في المنطقة.
إذاً، نحن أمام حالة فريدة وجديدة من التحديات التي تتطلب أدوات أو أساليب جديدة لمواجهتها.
لقد أطلق الملك شعار ضرورة الاعتماد على الذات قبل فترة والذي يشكل مدخلاً لفهم كيفية التعامل مع هذه الظروف.
قد لا يوجد وقت مناسب أكثر من اللحظة الراهنة لترجمة هذا الشعار، وحتى نحقق هذا الشعار، لا بد من الانتقال الى حالة العمل الجماعي التكاملي والتعاضدي بين كافة أطراف المعادلة في المجتمع. فبدايةً، بالشأن الاقتصادي، هناك حاجة لإعادة تحديد الأهداف الاقتصادية للحكومة التي ما تزال تقتصر بالفترة الحالية على الجوانب المرتبطة بعجز الموازنة والوفاء بالالتزامات المترتبة على الأردن بسداد الديون.
والمطلوب هو ليس تغيير السياسات والأولويات فقط، وإنما أيضاً تغيير طريقة إدارة هذه الملفات وطريقة تعامل الحكومة مع المؤسسات الوطنية الرسمية كالبرلمان وغير الرسمية كالمؤسسات الاقتصادية والمجتمع المدني.
فبدلاً من محاولة إقناع هذه الأطراف بقبول وتبني سياسة الحكومة، هناك حاجة للحوار والمشاركة مع هذه الأطراف لبلورة سياسات وآليات جديدة لتحديد الأولويات، ووضع السياسات المناسبة لمعالجتها.
للاستفادة من الحالة الوطنية الراهنة واستخلاص الدروس والعبر منها، لا بد من نهج جديد للإدارة الحالية للتحديات التي تواجه الأردن. والعنوان للنهج الجديد في الإدارة يجب أن يكون هو المكاشفة والمشاركة من أجل الوصول لفهم مشترك لهذه التحديات، ووضع السياسات المناسبة لمواجهتها. غير ذلك، نكون قد فوتنا فرصة أخرى في الاستفادة من الطاقة الكامنة لدى الشعب الأردني بمكوّناته المختلفة.