اللعبة الأميركية الخطرة في الأمم المتحدة

جون في. وايتباك - (ذا بالستاين كرونيكل) 27/9/2011
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
ارتفع عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي اعترفت دبلوماسيا بدولة فلسطين راهناً إلى 131 دولة، مخلفة فقط 82 دولة عضوا في المنظمة الدولية على الجانب الخطأ من التاريخ والإنسانية.
وإذا ما أراد المرء تجاهل دول الجزر الصغيرة في الكاريبي والباسفيكي، فإن معظم غير المعترفين بفلسطين هم تقريبا من الدول الغربية؛ بما في ذلك الدول الخمس الاستيطانية الكولونيالية كافة، التي قامت وتأسست على أنقاض التطهير العرقي أو الإبادة الجماعية للشعوب الأصلية، بالإضافة إلى كل القوى الأوروبية الاستعمارية الثماني السابقة.
ويبدو أن الاستراتيجية الأميركية الراهنة لإسقاط طلب عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة تهدف إلى محاولة حرمان فلسطين من الأصوات المؤيدة التسعة في مجلس الأمن، عبر إقناع الأعضاء الأوروبيين الخمسة (بما في ذلك البوسنة والهرسك التي اعترفت بدولة فلسطين)، وكولومبيا (الدولة الأميركية الجنوبية الوحيدة التي لم تعترف بدولة فلسطين)، بالامتناع عن التصويت، وهو ما يترك 8 أصوات مؤيدة فقط ويجعل صوت أميركا الوحيد السلبي لا يبدو من الناحية الفنية وأنه "فيتو".
ورغم أن الجميع يعرف أن مجلس الأمن سيقر العضوية الفلسطينية بالإجماع إذا أعلنت الولايات المتحدة عن دعمها لها، فإن التفسير والتوقع وراء هذه الاستراتيجية فيما يبدو هو أن أحداً لن يلاحظ، في غياب الفيتو، بصمات أميركا على كل هذه الخاتمة، ولن يغضب أحداً (خصوصا في العالمين العربي والإسلامي) من اعتراض أميركا على طلب عضوية فلسطين، كما أن محمود عباس وزملاءه سيزحفون عائدين إلى قفص الهامستر الذي هربوا منه حديثاً جداً بشكل درامي، وطوردوا وفرضت عليهم الإقامة واستئناف الركض بلا تفكير على عجلة التمرين الإسرائيلية-الأميركية.
وليست هذه ببساطة استراتيجية ساذجة على نحو يخطف الأنفاس، وإنما هي سياسة خطيرة بشكل استثنائي -ليس فقط لأن قيادة رام الله، وقد خبرت التنوير وزرع النخاع الشوكي، قد استعادت أيضا احترامها لذاتها وكرامتها الإنسانية ولن تزحف ثانية وراء باتجاه قفصها.
لن يكون الفيتو الأميركي صفقة كبيرة ولا شيئا سيئاً، وسيؤكد بما لا يقبل النقض الواقع المحزن والمذل، المعترف به عالمياً تقريباً في الوقت الحالي، والقائل إن الولايات المتحدة الأميركية المستعبدة لإسرائيل تدفع الأتاوة وتتلقى الأوامر. وبفعلها ذلك، سينزع الفيتو الأميركي بشكل مؤكد من الولايات المتحدة أهليتها للعب أي دور ذي مغزى في أي عملية سلام أصيلة في الشرق الأوسط، والتي يمكن أن تحل محل العملية الزائفة التي ما فتئت الولايات المتحدة تسيطر عليها وتستغلها نيابة عن إسرائيل طيلة الأعوام العشرين الماضية، والتي ستعطي فرصة للسلام في نهاية المطاف.
وفي الحقيقة، ونظراً لأن مرتبة الدولة المراقبة ستمنح دولة فلسطين عمليا كل المزايا نفسها التي تتمتع بها الدولة العضو، (وأهم شيء هو حق الوصول إلى محكمة الجنايات الدولية حيث تستطيع ملاحقة الإسرائيليين عن جرائم الحرب بما في ذلك بناء المستوطنات والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية)، فإن فيتو أميركيا في مجلس الأمن، متبوعاً برفع المنزلة إلى وضع دولة، مراقب من جانب الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد يكون أنجع نتيجة لبناء فلسطين، بل حتى أفضل من العضوية الكاملة في الأمم المتحدة بإذعان أميركي، لكن مع احتفاظ الولايات المتحدة بأنشوطة احتكارها لأي عملية تسوية.
قد يأمل المرء من الناحية الواقعية عندها في أن تعمد القوى الدولية الصاعدة الجديدة، مثل دول "بريكس" (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، وكلها أعضاء حاليا في مجلس الأمن واعترفت بدولة فلسطين وهي بصدد التخطيط للتصويت لصالح عضوية فلسطين، أن تعمد بالاشتراك مع الاتحاد الأوروبي الذي يستطيع تجييش المجموعة الدولية الحقة، إلى وضع ثقلها وراء جهد حقيقي أصيل وعاجل لإنجاز السلام فعليا مع قدر من العدالة.
ومن جهة أخرى، وفي حال نجحت الاستراتيجية الأميركية الخاصة بتحصيل الامتناع الأوروبي المطلق عن التصويت، فإنه ستكون لها تداعيات كارثية. وفيما تعلم العالمان العربي والمسلم توقع الأسوأ من الولايات المتحدة، فإنهما قد حافظا، إلى الآن على الأقل، على نوع من الأمل في أن لا تكون أوروبا عدوة لهما. وإذا ما كتب لطلب عضوية فلسطين أن يُهزم على يد جبهة غربية موحدة، فإن العالم سيواجه بصدام أساسي من نوع "الغرب ضد البقية"، ما يحيي الذكريات عن الفترات التي امتازت بغطرسة وازدراء الإمبريالية الاستعمارية الغربية، ويؤكد الاعتقاد المنتشر على نطاق واسع أصلاً في العالمين العربي والمسلم، بأن العالم اليهودي-المسيحي هو في حالة حرب مع العالم الإسلامي.
بطبيعة الحال، بمقدور رجل واحد منع حدوث هذا السيناريو. فهل يكون أفق كسب مزيد من الأصوات له وتحصيل قدر أقل من المال لحملة لخصمه الجمهوري المحتمل أكثر أهمية لرئيس أميركا متعدد الأعراق من منع صدام طويل الأمد للحضارات والثقافات والأعراف والأديان -وفي الحقيقة تعزيز التقدم نحو عالم أكثر سلمية وعدالة وانسجاما؟
سوف يكتشف العالم ذلك في الأسابيع المقبلة.

اضافة اعلان

* محام دولي يقدم الاستشارات للفريق الفلسطيني المفاوض مع إسرائيل.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:  America's Dangerous Game at the UN