اللعبة

بعض الناس مبتلون بعادة سيئة: يقضمون أظافرهم!
وحكومات العالم الثالث، عموماً، تستطيب أن تحكم شعوبا بلا أظافر!
تلك سُنّة من يقود القطيع.. دائماً.  حتى مزارعي الدجاج يفضلون الداجنة.اضافة اعلان
إنما المفارقة في الشعوب التي بلا أصابع.. في الناس الذين لم يجربوا العزف على البيانو.
الناس الذين لم ترتجف أصابعهم هلعاً، ولا برداً.
الناس الذين بلا شاهد، وبلا كفين تلطمان الوجه ندما، إذا لزم الأمر !
قوافل الناس التي لا تحلّ، ولا تربط، ولا حتى تنكش أذنيها.
الناس الذين بلا أصابع.
لا يسالمون، ولا يُسلّمون، ولا يتوعّدون أحداً!
ولا يشيرون لأحد باصابعهم الراجفة.
الناس الذين بلا أصابع لا يقضمون أظافرهم.
لذلك أنعم الله عليهم بحكومات تقضم لهم أقدامهم وأحلامهم معاً!
....
الشعوب، أيضا، لئيمة!
ثمة تواطؤ مضمر بينها وبين حكوماتها في العالم الثالث.
تدرك هي الخاصرة الضعيفة للحكومات فتتجنب الضرب عليها، وتتحرش فقط بالجوانب التي لا تخلّف جروحا فادحة أو كسر عظم!
ثمة اتفاق غير معلن بأن تستمر اللعبة، التي من دونها يضطر الطرفان لمغادرة الملعب، وترك ألقابهما العريضة في غرفة الملابس!
ينبغي أن تكون هناك معارضات صاخبة، وشعارات رائجة، وخطباء تمتلئ أشداقهم بالزبد... هذا ضروري جدا لتمارس الحكومات أعمالها!
يتوجب أن تتوافر حكومات بإيقاع مهيب، وبتسلط نسبي، وجبروت إلى حد ما، وهذا أيضا ضروري جدا لتجد المعارضة مبررا لأن تبقى على رأس بياناتها!
هناك تفاهم سري بين الطرفين، يخبئه كل منهما في جيوبه الداخلية،... مصلحة كليهما تقضي أن يبقى الاتفاق غير معلن، فشعبية أي طرف أتت من كونه يعارض الطرف الآخر!
ولو عرف الناس بأن ودا خفيا يجمعهما ففي ذلك مقتلهما معا!
“البروباغندا” والجماهيرية الكاسحة والنجاح التعبوي في الشارع يقوم كله على فكرة وجود “آخر”، أو نقيض، أو خصم على الأقل!
لهذا تتكتم المعارضات، والحركات الشعبية دائما على اتصالاتها، وعلاقاتها بالحكومات.
وهي -أي المعارضة- تكون في أحيان كثيرة المستفيد الأكبر، والأهم، من بقاء الحكومات على سدّتها، حيث هي تجني الأرباح الهائلة جراء معارضتها والتنديد بها، وطرح نفسها كالملاك المنقذ!
وهي استراتيجيا لا تسعى للحلول مكانها، ففي ذلك خسارة عظيمة لها!
وإذا ما استدرجتها حسابات ما للانقضاض عليها فهي بالضرورة مضطرة... وتغطي وجهها بكفيّها!
أما الحكومات، في العالم الثالث، فهي بخبث تُسرّب أحياناً شيئا قليلاً عن الغرام الخفي... بما يكفي كي تحرق تلك المعارضات لدى قواعدها، وتكشف زيف خطابها، وهذا في حال أرادت استبدالها بمعارضات جديدة!!
في النهاية، الحكم والمعارضة، في العالم الثالث، يحتاجان بعضهما كضرورة ومبرر بقاء... وكلاهما، آخر الأمر، يحتاجان لطرف ثالث يتلوان عليه ما يدعيّان من حكمة، وهذا الطرف هو ما يُعرف عادة باسم: “الشعب”!!