"اللعب في الحارة".. طفولة ممتعة بدأت تغيب مع مرور الوقت

أطفال يلعبون بجانب بيوتهم- ( تصوير : أسامة الرفاعي)
أطفال يلعبون بجانب بيوتهم- ( تصوير : أسامة الرفاعي)

تغريد السعايدة

عمان- في داخل كل شخص ذكريات لا تنسى، عن طفولة جميلة كانت تشهد عليها حارات، من صوت أطفال لم يتوقفوا عن اللعب في شوارعها وبين زوايا الحي.اضافة اعلان
ألعاب كانت الحارة، مكانها، يتجمع الأطفال ويبدأون باللعب، والترفيه عن أنفسهم، في أوقات معينة، دون ممانعة أهال كانوا قد اختبروا الذكريات ذاتها.
غير أن هنالك أهالي لم يعودوا يجدون ضرورة للعب اطفالهم في الحارة، خوفا عليهم، ولانهم لا يجدون بالحارة مكانا آمنا لهم، مع تغير العلاقات الاجتماعية، وعدم معرفة العائلات بعضهم بعضا، ومن يسكن بجانبهم.
ولا تجد أم عاصم بُداً من أن تُرسل ابنيها إلى النادي القريب من بيتها خلال فترة العطلة وحتى في أوقات الفراغ، حتى يفرغا طاقاتهما، وهم ما يزالان في المراحل العمرية الصغيرة، إذ أنها لم تعد قادرة على أن تتركهم يلعبون “بالحارة” كما في ايام طفولتها، فالحياة تغيرت والغرباء أصبحوا كُثر، على حد تعبيرها.
وتعتقد أم عاصم أن الحياة أصبحت مختلفة، ولم تعد “الحارة” المكان الآمن للعب الطفل، وتقول “في السابق كنا نقضي ساعات الفراغ والعطلة نلعب بالحارة وبالقرب من الشارع والساحات القريبة من بيوتنا ولم نكن بحاجة إلى أن نتوجه لمراكز ونوادٍ لنقضي وقت الفراغ”، إلا أن الوضع مختلف تماماً لديها الآن مع أطفالها.
وتوضح أم عاصم ان الطفل لم يعد يقضي ساعات طويلة للعب، ليجد الأهل أنفسهم مضطرين إلى تحديد ميزانية معينة لتوفير ألعاب إضافية ورحلات لتوفير مساحة لعب للأطفال.
وفي ظل الظروف الاقتصادية التي تعاني منها نسبة كبيرة من المواطنين، تعتقد عبير العبادي نفسها غير قادرة على تسجيل أطفالها الثلاث في ناد للعب وتعليمهم رياضة أو موهبة معينة، عدا عن أنها تسكن في مكان لا يتوفر فيه مثل تلك المراكز.
ولا تجد نفسها قادرة كذلك كغيرها من الأمهات على ترك الشارع أو الساحات الخارجية، البعيدة عن البيت هي الملاذ الوحيد لأبنائها، مما يضطرهم إلى الجلوس في البيت لساعات طويلة، قد يقضونها على شاشات التلفاز أو اللعب داخل المنزل.
وتستذكر عبير ذكريات طفولتها قبل ما يزيد على خمسة وعشرين عاماً بأنها من أجمل الايام التي كانت تقضي ساعات طويلة خارج المنزل برفقة صديقاتها في الحي الواحد وبنات الأعمام، يلعبن بكل حرية ويمارسن طقوس طفولية كفيلة بأن توفر لهم الحركة وتفريغ الطاقة لديهم، وتؤكد ان هذه الالعاب والركض والحركة هي التي جعلت من أجسادهن سليمة وصحية، وهو ما يفتقده الكثير من الأطفال في هذه الايام.
وتحاول عبير أن توفر لأطفالها بعض الوقت للعب من خلال تنظيم رحلات لهم ما بين الحين والآخر لبعض الحدائق التي تتوفر فيها مساحة للعب، إلا أنها ترى أن ذلك غير كاف من وجهة نظرها، وتتمنى لو أنها تستطيع أن تجعل أطفالها يعيشوا طفولة مشابهة لطفولتها التي كانت كل الساحات والحارات هي مكان للعب لديها وتكوين صداقات من المحيط.
وفي ذات الوقت، يؤكد علي نصير أنه يخاف على ابنائه من اللعب خارج البيت لساعات على الرغم من أن جميع المحيطين من حوله هم من معارفه وبعض أقاربه، إلا أن المجتمع أصبح أوسع و”الغرباء” اصبحوا متواجدين في كل مكان، وهذا يجعل الوالدين قلقين على تواجد ابنائهم خارج المنزل.
غير أن نصير ما يزال يتمنى لو أن البيئة التي عاش فيها طفولته ما تزال كما هي، ويصف ذلك بقوله “لعبت في شوارع الحارة ومع أبناء الجيران وهذا كان له أثر واضح وكبير في تكوين شخصيتي وترسيخ ذكريات الطفولة التي تشدني دائماً”، ولكنه يجد أن أطفاله أصبحوا معتادين على الجلوس في البيت واللعب بالاجهزة الالكترونية، وعدم الخروج إلا بمرافقة أحد الكبار لهم، مشيراً إلى أن هذا الأمر “لا يعجبه إطلاقاً”، على حد تعبيره.
وحول تأثير المجتمع المحيط على الطفل ودور الاسرة في ذلك دون أن يكون هناك مساس بمساحة اللعب والحرية للطفل، يرى اختصاصي علم الاجتماع الدكتور سري ناصر، ان تنشئة الطفل وسلوكياته الاجتماعية تعتمد اعتماداً كبيراً على الأهل داخل المنزل. ويبين أن الأم والأب هما من يحددان شخصية الطفل حتى وإن كان مرتبطا بالمجتمع الخارجي، وهما من يقودان سلوكياته نحو الإيجابية او العكس، لذلك يجب أن يكون هناك متنفس للطفل للاحتكاك بالمجتمع الخارجي بكل أشكاله، حتى يكون ذا شخصية متأثرة ومؤثرة، كما أن المجتمع له دور في تعزيز السلوكيات التي يتعلمها من أسرته الصغيرة.
ولكن أم بدر، وهي أم لخمسة أطفال، وتعيش في حي سكني مكتظ، ترى أن الأطفال أنفسهم تغيروا ومصطلحاتهم وتفكيرهم اصبحت “أكبر من عمرهم الحقيقي”، لذلك هي تخشى على أبنائها في بعض الأحيان من تعلم أشياء جديدة وتصرفات وكلمات هي لا ترغب أن يتعلموها، وهنا تضطر إلى ابقائهم في البيت وتوفير الالعاب المختلفة لهم وتخرج معهم في زيارات تحت إشرافها، حتى تحافظ عليهم.
غير أنها في ذات الوقت، تتحدث أم بدر عن طفولتها التي كانت كغيرها من الأطفال في محيطها، حيث كانوا يلعبون في الشارع والحارة ويزورون بعضهم بعضا دون تشديد من الأهل ولا خوف، وتؤكد أن هذا الأمر إنعكس عليها وعلى علاقتها مع ابناء عمومتها التي عادةً ما تستعيد ذكريات الطفولة معهم، إلا أنها تفتقد هذا مع أطفالها بشكل واضح.
وتبرر أم بدر ذلك، بتغير تكوين المجتمع المحيط وانشغال الأهل وعدم قدرتهم على مراقبة أبنائهم في الخارج، وتعتقد أن كثرة الحركة الاجتماعية وحركة السيارات النشطة، ووجود عائلات غريبة عن الحي، يمكن أن تسكن بقربهم، من الأسباب التي تدفع بالأهل إلى الحد من حركة ولعب الأطفال خارجاً، والاستعاضه عنها بالجلوس بالبيت وتوفير الألعاب لهم، أو تسجيلهم في نوادٍ قد تكون مكلفة للأهل.
ويشير ناصر إلى دور الأسرة الممتدة التي تعتبر مجتمعاً أكبر للطفل، سواء من الأقارب المحيطين وحتى الجيران المقربين جداً، لذا من المهم للطفل أن يخرج للمجتمع ويتعامل معه منذ طفولته. ولا ينكر ناصر أن مجتمعنا أصبح يكتظ بالسكان والأشخاص الذين يمكن اعتبارهم غرباء على المحيط المنغلق كما في القرى والحارات، وهذا يزيد من نسبة خوف الأهل من خروج ابنائهم للمجتمع الخارجي الذي له عادات وتقاليد وسلوكيات مختلفة نوعاً ما.