اللغة العربية في يومها العالمي

د. أحمد ياسين القرالة

يحتفل العالم في الثامن عشر من كانون الأول من كل عام باليوم العالمي للغة العربية، وهو اليوم الذي قررت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 1973م إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة.اضافة اعلان
ومع أهمية هذا القرار وقيمته المعنوية إلا أنه وللأسف لم يغيّر كثيراً من حال اللغة العربية ولم يحسن من وضعها ومكانتها، فقد كان حالُها في الزمن الذي اتخذ فيه القرار أفضلَ وأحسنَ.
لا يجوز للغة تمتلك هذه الطاقات الهائلة من الاتساع والمرونة، وتكتنز الكثير من جماليات التعبير وأساليب البيان وفنون الكلام أن تكون مكانتُها كما هي عليه اليوم.
كما لا يليق بأمّة بهذا التعداد النَّسَمي والاتساع الجغرافي وبتلك القدرات والإمكانات المادية والمعنوية أن تكون لغتُها بهذا الوضع المحزن والواقع المؤلم،حيث إنها وللأسف انزوت في ركن ضيق بائس مظلم من العالم، وشرعت في التحلل وأخذت في التآكل والضمور وبدأت في الانحسار لحساب لغات هي أقلّ منها مواهب وأضعف منها طاقات وإمكانات.
ويعزو البعضُ هذا الانزواءَ ظلماً وجهلاً إلى اللغة ذاتها؛ معللين ذلك بجمودها وضعف مرونتها وعدم قدرتها على مواكبة تطورات الحياة وتقدمها.
ولكنَّ هذا التعليل منقوص ومنقوض؛ وهو ينمُّ عن جهل بطبيعة اللغة وماهيتها بشكل عام واللغة العربية بشكل خاص؛ فاللغة لا تخرج عن كونها انعكاساً حقيقياً لحال أصحابها ومرآةً صادقةً ليست بالمقعرة ولا المحدبة لواقع الناطقين بها، فاللغة أداة تفكير ووسيلة تواصل، وهي كغيرها من الأدوات والوسائل تنمو بنمو أصحابها وتزدهر بازدهارهم.
مشكلة اللغة العربية ليست مشكلةً ذاتية ولا علاقة بطبيعتها ولا بخاصيتها؛ فاللغة كالريشة تماماً يمسك بها فنانٌ مبدعٌ فيرسم بها أجملَ اللوحات الفنية ويصور بها أجملَ الأشياء، ويمسك بها آخرون فلا يرون فيها سوى فرشاة لمزج الألوان وخلطها؛ ومن منطلق هذا الفهم الصحيح لطبيعة اللغة وجدنا الشاعرَ حافظ إبراهيم يردُّ على الرأي القائل بجمود اللغة العربية بقوله:
وسعتُ كتابَ الله لفظًا وغــايــةً
وما ضقتُ عن آيٍ به وعظات
فكيف أضيقُ اليوم عن وصف آلةٍ
وتنسيق أسماء لـمخـتـرعــات
فإذا كان هناك من عجز أو قصور أو جمود فإنما هو في أهل اللغة وأصحابها لا في اللغة ذاتها، وهو ما عبر عنه أحمد أمين قبل مائة عام بقوله: الأمم الحيَّة لا ترضى أن يكون لها في نصف قرنها الحالي معجمٌ أُلف في نصف قرنها الماضي.
فالأمم الحية تأبى لغتها السكونَ أو الخمود، ولا ترتضي معاجمها الثبات والجمود، فهي دائمة الحركة دائبة التطور، تأبى كرامتها ويأنف ضميرها الجمعي من أن تكون مفرداتها في الماضي هي ذاتها في زمنها الحاضر دون زيادة أو تطور.
لا حلَّ أمام العرب والمسلمين إذا ما أرادوا أن يعود للغتهم عزّها ومجدها إلا بالعمل الجاد للخروج من المأزق الحضاري الذي يعيشونه، وبالعودة إلى دائر الفعل والانتاج والإسهام في صناعة الحضارة الإنسانية والمشاركة فيها بالابتكارات والمنجزات العلمية والحضارية، وقتذاك تنمو لغتهم وتتضخم معاجمها ويزداد عدد الناطقين بها، وتصبح لغة مطلوبة مروغبة تتمدد وتنتشر كما تطورت وانتشرت لغات أقلُّ منها قدرات وأضعف منها مواهب وإمكانات.
لن يعود للغة العربية مكانها ومكانتها إلا بالثقة بها من قبل أصحابها والناطقين بها، وذلك لن يكون إلا بثقتهم بأنفسهم أولاً، وهو ما لا يكون إلا إذا شعروا أنهم يؤدون وظائف في هذا العالم ويقومون بمهام تشعرهم بقيمتهم الذاتية، وتحمل غيرهم على الشعور بضرورة وجودهم وأهمية وظيفتهم.
وعلى علماء اللغة العربية وفقهائها أن يعملوا على تسهيلها وتبسيطها بتخليصها مما علق بها من تعقيدات، وتهذيبها من الشكليات التي تعيق حركتها؛ فالناس يعزفون عن استعمال الأدوات الصعبة المعقّدة ويزهدون في التعامل معها، وعليهم البحث عن أكثر الأساليب وأقوم الطرق والاستفادة من تجارب الآخرين لجعلها لغة تخاطبٍ سهلةَ التعلم سلسة التطبيق، تتناسب مع عصرنا عصر السُّرعة والاختصارات.