اللقاح الثالث -وربما الأهم- لفيروس كورونا

Untitled-1
Untitled-1

تقرير خاص - (الإيكونوميست) 23/11/2020

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

من المرجح أن يتم استخدام اللقاح الذي توصلت إليه شراكة "أسترازينيكا/أكسفورد" على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم

  • * *
    في كانون الثاني (يناير) من هذا العام، عندما أصبح معظم العالم على دراية للتو بوجود مرض "كوفيد- 19"، هُرع العلماء مسرعين إلى مختبراتهم، مطبقين أيديهم على نسخة طازجة مكتشفة حديثاً من الشيفرة الوراثية لفيروس كورونا المسبب للمرض. وفي تلك الأيام الأولى، كان من المستحيل تقريبًا تخيل أن يتم، في غضون 11 شهرًا، إنتاج ثلاثة لقاحات فعالة ضد فيروس كورونا. ومع ذلك، كان هذا هو ما حدث بالضبط. في يوم الاثنين من الأسبوع الثالث على التوالي، أعلن مطورون للقاحات عن الوصول إلى نتائج مشجعة للغاية. في 23 تشرين الثاني (نوفمبر)، أفاد باحثون في "أسترا-زينيكا" AstraZeneca، وهي شركة أدوية كبيرة، ومن جامعة أكسفورد، بأن اللقاح الذي توصلوا إليه فعال بنسبة 70 في المائة. وهو يأتي مع مكافأة إضافية كبيرة: من المتوقع أن يكون أرخص كلفة وأسهل في التوزيع على مستوى العالم من اللقاحات الأخرى.
    تم تقدير النتائج من خلال نظرة خاطفة على البيانات المؤقتة التي تم جمعها من التجارب التي أُجريت في بريطانيا والبرازيل، والتي شملت أكثر من 23.000 متطوع. ومثل كل اللقاحات التي أسفرت تجاربها عن نتائج حتى الآن، تم إعطاء لقاح "أسترا-زينيكا" في جرعتين. ولم يدخل أيّ من بين الأشخاص الذين تلقوا اللقاح، إلى المستشفى أو يعاني أحدهم حتى من إصابة خطيرة بالمرض. ويقول الباحثون أيضًا إن لقاحهم قد يقلل من انتقال الفيروس -وهو شيء لم يُعرف بعد عن اللقاحين الآخرين اللذين تم الإبلاغ عن نتائجهما من شركتي "فايزر-بيونتيك" و"موديرنا". وينبغي أن يمنع اللقاح المثالي الناس من نقل العدوى لبعضهم بعضا، وكذلك منع متلقي العدوى من الإصابة بالمرض.
    كما تضمنت التجربة أيضًا نظاماً يعتمد على جرعتين؛ حيث تم إعطاء بعض المشاركين في البداية نصف جرعة فقط من اللقاح، تلتها لاحقاً جرعة كاملة. وقد بلغت فعالية هذا النظام 90 في المائة. لماذا يمكن أن تعطي جرعة أولية أقل استجابة أقوى؟ ربما تكمن الإجابة في الطريقة التي يعتمدها اللقاح لإيصال مادة وراثية من فيروس كورونا إلى داخل الجسم: بواسطة ناقل فيروسي -فيروس آخر، يعمل كنوع من المغلف الذي توضع فيه الرسالة.
    قبل التجارب، كان العلماء قلقين من أن الجسم قد يطور مناعة ضد الناقل كما يفعل مع البروتينات المنتمية إلى فيروس كورونا. وتشير النتائج إلى أن المناعة ضد النواقل قد تكون عاملاً في استخدام نظام الجرعتين المعتاد؛ حيث يمكن لجرعة أولى أكبر أن تهيئ الجسم لتطوير أجسام مضادة للناقل، وبالتالي تقلل من فعالية الجرعة الثانية. لكن جرعة أولى أصغر قد تتغلب هذه المشكلة. ويتوقع الباحثون الحصول على مزيد من المعلومات في الأسابيع المقبلة، والتي سيكون من شأنها تحسين الثقة في نجاعة هذه النتيجة.
    كما هو الحال مع البيانات الخاصة بجميع اللقاحات الثلاثة التي أسفرت تجاربها عن نتائج حتى الآن، فإن الكثير من المعلومات المقدمة تظل أولية إلى حد محبط (ولو أن ذلك مفهوم). ومع ذلك، قال الأكاديميون في جامعة أكسفورد إنهم يأملون في إرسال ورقة بحثية إلى إحدى المجلات العلمية المعتمدة خلال الـ24 ساعة التي تلت الإعلان. وليس من الواضح متى ستفعل الفرق التي تقوم بتطوير اللقاحين الآخرين الشيء نفسه.
    قالت كل من شركة "موديرنا" وشراكة "فايزر-بيونتيك" إن لقاحاتهما فعالة بنسبة 95 في المائة تقريبًا. وعلى الرغم من أنه من المغري مقارنة فعالية اللقاحات المختلفة، إلا أن ذلك صعب في الحقيقة، لعدد من الأسباب. ولعل الأهم من بينها هو أن المطورين يقومون بعدّ حالات الإصابة بفيروس كورونا بطرق مختلفة. وقد فحصت تجارب شراكة "أكسفورد-أسترازينيكا" المشاركين بحثًا عن الحالات التي لا تظهر عليها أعراض بدلاً من الاعتماد على الأعراض التي يقوم الأفراد بالتبليغ عنها ذاتيًا، لذلك قد يبدو عدد الحالات بعد التطعيم باللقاح الجديد أعلى من مثيلاته لدى "فايزر"، التي اعتمدت على الإبلاغ الذاتي من قبل المرضى (مع إجراء فحص متابعة تأكيدي).
    مهما كانت النتيجة التي تسفر عنها تحليلات أكثر شمولاً لاحقاً، فمن الواضح أن العالم أصبحت لديه ثلاثة لقاحات عالية الفعالية. وإذا تمت الموافقة عليه، فسوف يمكن طرح لقاح "أسترازينيكا" بسرعة. ويمكن إنتاجه في العديد من المواقع حول العالم، ويمكن صنع 3 مليارات جرعة في العام المقبل (مقارنة، على سبيل المثال، بـ1.3 مليار جرعة لشراكة "فايزر-بيونتيك"). وقال باسكال سوريوت، رئيس شركة "أسترا-زينيكا"، إن لدى شركته شراكات مع موردين في الهند وأميركا اللاتينية وروسيا وتايلاند. وقد التزم "معهد سيروم" Serum Institute، وهو صانع هندي للأدوية واللقاحات، بالتصنيع الشامل للقاح "أسترا-زينيكا" منذ نيسان (أبريل) الماضي. ويقول سوريوت: "سوف نقوم بتزويد البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل حول العالم باللقاح من مصادر مختلفة. نحن نهدف إلى القيام بذلك بشكل أو بآخر في الوقت نفسه، حتى يتمكن الجميع من الوصول إلى اللقاح بطريقة منصفة في أسرع وقت ممكن".
    كما أن اللقاح رخيص الثمن أيضًا ويمكن الاحتفاظ به لمدة ستة أشهر على الأقل في الثلاجة العادية. وفي المقابل، يحتاج لقاح "فايزر" إلى تخزين شديد البرودة بدرجة 70 درجة مئوية تحت الصفر، ويمكن حفظه في الثلاجة العادية لبضعة أيام فقط؛ ويمكن حفظ لقاح "موديرنا" في الثلاجة العادية لمدة شهر. وهذا يعني أنه يمكن تخزين لقاح "أسترازينيكا" في أي عيادة أو صيدلية حول العالم. وقال ريتشارد هاتشيت، رئيس CEPI، وهي مؤسسة تمول الأبحاث في لقاحات الأوبئة، إنه يعتقد أن هذا اللقاح لديه القدرة على تغيير مسار الوباء العالمي بشكل كبير ويمكن تسليمه إلى أي مكان، بما في ذلك البلدان الفقيرة.
    على الرغم من أن شركة "أسترازينيكا" تقول إن اللقاح كان جيد التحمل لدى أولئك الذين تلقوه، ما تزال هناك أسئلة حول حادث ضار غير معروف تسبب في إيقاف التجارب مؤقتًا في وقت سابق من هذا العام. ويجب أن ينظر المنظمون الآن في أسئلة مثل هذه؛ حيث يقومون بتقييم طلبات الحصول على إذن الاستخدام الطارئ التي سيقدمها صانعو اللقاحات الثلاثة. وتقول "أسترازينيكا" إنها ستسعى أيضًا إلى تسجيل لقاحها للاستخدام الطارئ لدى منظمة الصحة العالمية. وسوف يسمح ذلك باستخدام جرعات لقاحها في البلدان التي ليست لديها سلطات تنظيمية محلية قادرة على تقييم اللقاحات.
    لو لم يكن الوقت جوهريًا إلى هذا الحد، لكان من المنطقي الانتظار حتى يتم جمع البيانات طويلة المدى حول هذه اللقاحات الجديدة. لكنّ هذا ليس خياراً في مواجهة هذا الوباء. وقد تم تصميم اللوائح للسماح بالاستخدام الطارئ للتعامل مع مواقف مثل هذه تمامًا. ومع ذلك، سوف يعني هذا أن المنظمين سيحتاجون إلى إجراء مراقبة صارمة لهذه اللقاحات الجديدة لفترة من الوقت. في البداية من المحتمل أن يقتصر استخدامها على أولئك الذين يعتبرون في أمس الحاجة إليها، مثل العاملين الصحيين أو كبار السن؛ وسوف يصر المنظمون على المراقبة الدقيقة للآثار الجانبية. ومع تراكم البيانات، في الربع الأول من العام المقبل، من المرجح أن يتم تخفيف هذه القيود.

*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Three’s a charm: Success for a third-and perhaps most important-covid-19 vaccine