الليرة التركية والمغامرة المحتومة بهبوطها

يوسف محمد ضمرة لا يختلف اثنان على أن هبوط الليرة التركية، ومنذ بدئه في الربع الثالث من العام 2018، وحتى هذا الوقت، جاء من إصرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على خفض نسب الفائدة على العملة المحلية التزاما ببرنامجه الانتخابي، وبالرغم من كل الآراء والمناشدات من قبل اقتصاديين له برفع سعر الفائدة، حيث لم تجدِ نفعا معه كل هذه النصائح والتوصيات. أصل المشكلة يعود إلى إصرار الرئيس التركي على خفض أسعار الفائدة وقيام العديد من المستثمرين ببيع الليرة التركية، واستبدالها بالعملات الرئيسية العالمية إضافة إلى الذهب، حتى وإن كلّفه الأمر إقالة أكثر من ثلاثة رؤساء للبنك المركزي التركي، وعدم احترام أي رأي مهني قدم له منذ ذلك الحين! وكانت سياسة أردوغان هي خفض أسعار الفائدة، وتجاهل أهمية دور جاذبية العملة التركية الوطنية مقابل العملات الأخرى، ليكون السبب الرئيس في تدهور العملة إلى مستويات لا تحسد عليها. كما أن الرئيس قد دفع بتدخّله المباشر بعمل البنك المركزي والسياسة النقدية وإصراره عليها والضرب عرض الحائط بالتوصيات الواقعية، إلى تعميق حالة عدم اليقين تجاه العملة الوطنية التركية والتي تجسدت في تصرفات المستثمرين وعامة الناس. وإذا عدنا للوراء، لرأينا أن صهر الرئيس التركي براءات بيرق، والذي لعب دور وزير مالية البلاد تارة ومحافظ البنك المركزي التركي تارة أخرى، قد أسهم بسياساته النقدية بتدهور الليرة التركية بدعمه المطلق لتوجه أردوغان، إلى أن قدم استقالته في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، حيث برّر استقالته حينها بأنها نتيجة "ظروف صحية". وهو الشاب الوسيم والذي يمتلك قوة سياسية وصحية، وهي أسباب لم تقنع المستثمرين، حيث اعتبروا ذهابه خلاصا من نهج قديم لم ينجح لا بكبح جماح التضخم ولا بتخفيض معدلات البطالة، بل كان الفشل جليا في عدم المحافظة على الاستقرار النقدي. وأمس ارتفع معدل التضخم في تركيا لأعلى مستوى له منذ 20 عاما، بتسجيله مستوى 30 %، بمعنى أن السلع قد ارتفعت بتلك النسبة وبالتالي قضمت أموال العامل قبل المستثمر، ولعلنا نجد في أبسط تعريف للتضخم بأنه كمية كبيرة من النقود تطارد كمية قليلة من السلع. وخير دليل على ذلك أنه في يوم إعلان استقالته في 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 لوحظ أن الليرة التركية قد ارتفعت 5 %، أمام العملات الرئيسية، والذي اعتبر في حينه أنه أعلى مستوى لها في 20 شهرا. التدخل في عمل البنك المركزي التركي سياسيا قاد الليرة التركية ويقودها إلى التراجع، فالكثير من المودعين فقدوا نصف ثرواتهم بعد أن احتفظوا بالليرة التركية، حيث لوحظ أن كل من كان يحتفظ بالليرة التركية قبل 5 سنوات كان يحتاج للحصول على دولار واحد الى 3.6 ليرة، أما اليوم فإنك تحتاج الى 13.5 ليرة تركية للحصول على دولار واحد. ما يجري في تركيا يعد درسا يستحق الدراسة، واستخلاص النتائج؛ وأولاها عدم التدخل في عمل البنوك المركزية. ومن المفيد استذكار تجربة كول جيروم باول محافظ الفيدرالي الأميركي، حيث رفض طلب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وهو صديقه الذي عينه بمنصبه خلفا لجانيت يلين. وقبل انتشار وباء كورونا، انزعج منه كثيرا؛ أي ترامب، وعبر بتغريداته أنه يريد سياسة اقتصادية توسعية وخفض أسعار الفائدة على الدولار الأميركي، حيث أصر باول على ممارسة سياسة انكماشية، وصمد ورفض كل الضغوط وحافظ على معدلات التضخم والإصلاحات بالرقابة على البنوك الأميركية دون أي إصغاء للرئيس السابق ترامب!

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا

اضافة اعلان