الليل يحط على عمل موزعي الصحف

عاملة في توزيع الصحف في كورداليان، إيداهو، تستعد لبدء جولة توزيع – (أرشيفية)
عاملة في توزيع الصحف في كورداليان، إيداهو، تستعد لبدء جولة توزيع – (أرشيفية)

بيتر فونت – (نيويورك تايمز)

15/6/2018

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

كنت أقف عند الكاونتر في متجر "مستر دونات" في سنترال أفنيو في يونكرز في الساعة الثالثة صباحاً تقريباً، وأخوض حديثاً صغيراً مع الموظفة هناك. وكنت قد أنهيت عملي في تحميل الصحف في آلة البيع هناك وأحتسي القهوة المجانية التي تعرضها دائماً بسعادة.اضافة اعلان
سمعنا صوت سيارة تتوقف في الخارج، ثم ارتطام شيء، أعقبه زعيق العجلات بينما تنطلق السيارة مسرعة. ركضنا كلانا إلى الخارج لنكتشف قطة، أصيبت بعد أن قُذِفت إلى جدار اسمنتي في الجزء الخلفي من الموقف.
بمجرد أن شُفيت القطة، "دونات"، وعادت إليها صحتها، صحبتني لعدة سنوات في جولاتي بينما أقوم بتوزيع الصحف في الساعات الأولى من النهار. كان ذلك وقتاً من اليوم بدا أنه ينطوي دائماً على مغامرات مثيرة.
لذلك، ينتابني الحزن وأنا أرى هذا العُنصر الذي نُسي بسهولة من عمل الصحف وهو يذوي ويتلاشى.
ككاتب مبتدئ يناضل من أجل تثبيت قدميه، دعمت نفسي على مدى خمس سنوات في السبعينيات بالعمل في إيصال الصحف إلى آلات البيع والمنازل في ضواحي مدينة نيويورك. وكنتُ أتلقى الدعم من صحف "النيويورك تايمز"، و"وول ستريت جورنال"، و"ذا ديلي نيوز"، وبذلك كانت النقود التي تجنيها في الحقيقة جيدة جداً إذا كنتَ تستمتع بمثل ذلك النوع من العمل –وهو ما كنتُه.
كانت تلك أوقات طفرة لناشري الصحف. ففي أيام الأحد، على سبيل المثال، كانت صحيفة "ديلي نيوز" تصل إلى عدد من الناس في منطقة مدينة نيويورك وحدها أكثر مما تصل اليوم أكثر برامج أخبار محطات الكيبيل شعبية في البلد كله. وعندما كنتُ أخرج كل مساء سبت لأبيع الطبعة المبكرة من عدد الأحد، المعروفة باسم "البولدوغ"، كان الناس يقفون في طابور انتظار، ويعطونني في كثير من الأحيان دولاراً أو اثنين كإكرامية.
فكرت في هذا –وكذلك في الحبر الذي كان يلطخ أصابعي، والشتاءات الباردة، والآلاف قطع العملة المعدنية في آلات البيع التي كان عليَّ أن أعُدها وأوزعها كل أسبوع- وأنا أقرأ عن النضالات الأخيرة لصحيفة "بورتلاند برس هيرالد" في ماين.
كتبت الناشرة، ليزا ديسيستو، في رسالة إلى المشتركين: "إننا نواجه أكبر نقص يمكن أن نتذكره في موزعي الصحف. الكثير من القوى تعمل ضد عمل الصحف هذه الأيام –القراء الذين يستهلكون الأخبار مجاناً على الإنترنت، والتعريفات الجديدة على ورق طباعة الصحف الكندي التي ترفع الأسعار التي يدفعها الناشرون ثمناً للورق، والآن هذا النقص في العمالة، والذي يعيق قدرتنا على إيصال الصحيفة إلى كل مشترك في الوقت المحدد كل صباح". ولاحظت الناشرة لن لصحيفتها "27 مسار توزيع من منطقة إدجكومب إلى كينيبنكبورت".
إذا كنتَ ما تزال تحصل على صحيفة تصلك في البيت (أنا أحصل على ست صحف) فإنك ربما تكون مستاءاً مثل القراء في بورتلاند. وقد تغير الكثير في العمل الذي كان الكثيرون منا يعتمدون عليه لكسب الرزق والوفاء بالحاجيات. أسعار البنزين أصبحت أعلى. ومع عدد مشتركين أقل، أصبحت مسارات التوزيع أكثر امتداداً وتأخذ وقتاً أكثر من السابق. كما تعاقد بعض الناشرين المحليين على إيصال الصحف الوطنية إلى جانب صحفهم الخاصة –فإذا تأخر وصول واحدة من هذه الصحف الوطنية، فإن الموزعين يضيعون وقتاً ثميناً في الانتظار.
تقوم بإيصال خمس من صحفي الستة صحيفة "الهيرالد" في مونتيري، كاليفورنيا، التي يملكها صندوق التحوط سيء السمعة "أدلين غلوبال"، الذي تمكن من امتصاص الحياة –والنقود- من صحف المنطقة الستين تقريباً، خاصة صحيفة "دينفر بوست" المدمرة. وفي بعض الأحيان، تصل الصحف في السادسة صباحاً؛ وفي أيام أخرى تصل في العاشرة أو الحادية عشرة. وغالباً ما أجدها ملقاة في حفرة مملوءة بالماء قرب مدخل مرآبي. وفي كل مرة يتمكن فيها سائق من التأقلم والعمل كما يجب، فإنه لا يلبث/ أو لا تلبث حتى تستقيل.
الكثيرون منا حصلوا على وظائفهم الأولى كمراهقين بالعمل في توزيع الصحف على الدراجة الهوائية. كان أول مسار توزيع لي في العام 1960، لصحيفة ناشئة تدعى "ذا ديلي تريدور"، والتي كانت تُنشر في "وايت بلينز". وكانوا يدفعون لي فلسا ونصف الفلس عن كل صحيفة أقوم بتسليمها في مسار يغطي عدة أميال من التلال. ولن أنسى أبداً يومي الأول –والأول للصحيفة أيضا: حيث ضرب الإعصار "دونا" المنطقة، وأتلف المطر الطبعة الافتتاحية، ونقع بالماء أولئك منا الذين تجرأوا على الخروج في العاصمة لمحاولة إيصالها.
تسبب أفول الصحف المسائية في تحول كبير في التوزيع، من الصبيان على الدراجات الهوائية إلى الراشدين في السيارات. وقالت الآنسة ديسيستو في تصريح جانبي: "إنه عمل شاق حقاً". وهي تعرض الآن تخصيص مكافآت إضافة للموزعين وحوافز للخدمة المتميزة، ولكن دون جدوى.
ثمة الكثير من الأسباب التي تجعل عمل الصحف في سقوط حر، لكن الفشل واسع النطاق في إيصال المنتج بشكل مناسب يشكل بالتأكيد جزءاً من المشكلة. وهو عار في الحقيقة، لأن عدة آلاف من الموزعين ما يزالون يعملون بإخلاص كما كان حالهم دائماً.
لكن ثمة، للأسف، أخباراً سيئة لهم على عتبة الباب، أو، كما قد يكون واقع الحال، في الحفرة المبتلة عند طريق المرآب.

*كاتب، ومضيف برامج حوارية تلفزيونية، وموزع صحف سابق.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Night Falls on News Carriers