المبدعون: هل هم أسوياء؟

"أسيّر مع الركب وخطاي لوحدي"– الشاعر العراقي سعدي يوسف.

يبدو أن التوقف مع كيمياء الإبداع لغايات التحليل، والسعي لتشخيص مُفسرات حدوثه، هو شكل من أشكال الترويض الذي ابتدعه النُقاد كي يبقوا نقُادا، أي أصحاب مهنة. وهذه بدعة/ ابتداع نتواطأ معها في وعينا الجمعي كمتلقين على الدوام عبر انتظارنا ما سيقوله النقاد نظريا عن تلك الابداعات.

اضافة اعلان

ما سبق يذكرنا تماما بما ابتدع البلهاء من "منطق العقلانية الساكنة ومعاييرها الخرساء"، أي تلك التي تيبست عند حدود الكلِم النظري الطيب فقط، ومن دون تطبيق لها في عالم يمور بالوظيفية/ العولمية، فكرا وسلوكا، ما جعل حياتنا فاترة وصماء كأوراد بلاستيكية مظللة، وبلا رائحة.

ومع هذا يمكن الاجتهاد بالقول، هنا، بأن المبدع الفرد كأصل يمكن أن يلمس بداخله أن هذا الترويض أو محاولات القيام به بدعوى العقلنة من قِبل النقد دعابة محببة له، ولكنها ليست هو، أو أيا من نصوصه وطبائعه المتمردة التي اقترفها وعيا واستشرافا متقدما على الجموع التي تحيط بحياته.

تماماً مثل تلك العقلانية الساكنة التي ما تلبث بأن تفشل في إقناعنا أن بوسع الناقد، الذي نحترم،أن ينجح في القبض تلميحا أو تفسيرا على كل ينابيع الحيوات (جمع حياة) لدى المبدع نفسه، ببساطة لأنّها ليست بالضرورة مرئية، أو يمكن التيقن أن أي تفسير لها من قبله هو حاسم ونهائي ومحط ثقة أو اعتداد لدى القراء أو المستمعين للنقد والنقاد معا. فهي، أي الحيوات، كالخلايا النائمة بداخله كجذور مولدة للإبداع في تربة المواقف من النفس ومن الآخرين في آن.

لذلك تظهر كينونة الإبداع/ المأخوذة تعبيرا عن الخلق من العدم، سابقة ببلاغتها على الجموع ومناهج النقد المتداولة على حد سواء. ذلك يدفع بالناقد والقارئ المُفسر واللاهث وراء نصوص ونزوات المبدع (المتمردة على السائد لدى الجمهور) أن يرتقوا لدرجة التخليق النصوصي، لا على التجنيس.

بنا على ما سبق، بوسعنا إطلاق عدد من الأسئلة الحُبلى بالتأويل والمعاني المُستنتجة عن الإبداع والمبدعين وهي: مادمنا نفكر ونتكلم ونكتب العربية؛ لماذا لا يكتب كُلنا الشعر مثلا؟ ما دمنا ننام عادة؛ لماذا لا نحُلم جميعا؟ كلنا بوسعنا أن يشتري أقلاما وأحبارا ملونة، فلماذا لا يبدع جُل المشترين لهما؟ الريِش والفُرش والدهانات متوافرة لمن يرغب ومع هذا مايزال بعضنا ينجب تلوثا بصريا، على العكس من الفنانين المبدعين كأقلية في المجتمع، فهم الساعون لإخصاب إبصارنا، وتلوين شجرة حواسنا بالذي هو أجمل وأغنى من اللوحات والأغاني؟

أخيراً، المبدعون قلة، وهم بالتأكيد ليسوا كبقية البشر الآخرين، بُنية ذهنية وسلوكية، مقارنة بدرجة إيمانهم بمعايير المجتمع وندرة امتثالهم بالمسموح به أو المنهي عنه كونهما من مسلمات المجتمع الذي يعيشون فيه.

المبدعون مورد جمالي مناكف ونادر يجب احترامه والحفاظ عليه كجزء من تنمية ثقافية مستدامة أيضا، لأنهم خميرة الحياة الممزوجة بماء نصوصهم وشهوة ارتوائنا نحن كمتلقين، كيف لا؟ وهم الذين ينضجون أرغفة إبصارنا على تنور من أفراحنا وأوجاعنا نحن القراء والرصاد لكل ما جميل.

المبدعون لا يقبعون في الأبعاد الاعتيادية الأربعة عادة للمجتمع، بل هم البعد المضاف لكل من أبجديتنا، وألوان أحبارنا، وأنفاسنا الضافية خارج رئة الكثرة من المنتشرين أرقاما متطايرة على مسرح الحياة الفنتازي.

[email protected]