المبدع

د.لانا مامكغ

وجدت المبنى أخيرا، ودخلت المصعد لاهثة بعد مشوار مرهق بحثا عن موقف للسيارات في جو حار، وأزمة لا تطاق، مع ألم أسنان لا يحتمل بالمقابل، وبالكاد كنت قد وصلت في الموعد مع الطبيب، حين توقف المصعد عند الطابق الأول، فدخل شاب، مرت لحظة ليسألني: " عفوا، ألست فلانة؟ " فهززت رأسي بالإيجاب وأنا أحاول الابتسام، ليضيف: " قصيدة النثر... " فسألته دون وعي: " مين؟ ماذا بها؟ "ضحك ليقول: " لماذا لا تكتبين عن جمالياتها، وعن بنيتها المتفردة، ومحتواها الذي يقارب حدود الدهشة الإنسانية، ويتماهى معها!"

اضافة اعلان

شكرت الأقدار التي أوقفت المصعد أخيرا، لأنطلق بسرعة وأنا أشكر الشاب على اقتراحه الباهر...

في تلك الليلة، وصلتني رسالة ( واتساب) منه تفيد أنه " رجل المصعد" وأنه حصل على رقمي من أحد المعارف، وأنه شاعر أصدر ثلاثة دواوين، وفي صدد التحضير للرابع... ثم ليرفق نصا شعريا يتحدث فيه عن النوارس... وزيتون الآفاق... والحب الحارق، والوريد النازف بالذكريات!

كتبت له أن لا علاقة لي بالنقد الشعري، وبقصيدة النثر تحديدا، لكن، وكأنما لم يقرأ ما وصله، عاد في الليلة التالية ليرسل نصا آخر يحوي عبارات عن وجع النبض... وغفلة الزمرد... ويمامة السديم... وغبار الغياهب!

لم أعلق، لكني فهمت أنه عاشق، أو يعيش قصة حب من طرف واحد، كما يقال، إذ لمح إلى ذلك في مفردات معينة نجحت في فك طلاسمها بعد جهد وكرب!

كنت أستشف مما يرسل أنه قد انتهى للتو من قراءة ديوان ما لأحد الشعراء المعروفين، فيخرج شعره نظْما مقلدا ممسوخا لا روح فيه، أو شعرا قائما على " التركيب والتجميع" لا غير، مع ذلك، لم يكن يبخل في إرسال روابط للقاءاته الإذاعية والتلفزيونية معتقدا - من كل عقله- أنني سأفتحها وأتابعها!

وبدأت أشعر بالغضب، وببعض الحقد، ليس عليه، ولا على صغار الإعلاميين الذين أوهموه بالعظمة... وإنما على مخترع (واتساب) الذي تفنن في إيجاد وسيلة لاختراق وقت المستخدم وخصوصيته وطاقته...

وتوالت القصائد، دون أن أعلم حتى الآن لماذا لم أحسمْ الأمر معه حينها حتى يتوقف عن إزعاجي أولا، وعن نظم الشعر ثانيا وعاشرا وأخيرا!

وهكذا إلى أن كتب لي يقول إن ثمة حملة ضده، إذ لم يوافق أحد الأكاديميين على كتابة مقدمة لديوانه الأخير، كما خذله أحد النقاد حين رفض نشر قصيدته الأخيرة في الملحق الأدبي لإحدى الصحف، لذلك، قرر الهجرة بعيدا عن البلد الذي، حسب تعبيره، لا يحترم مبدعيه...

حدث هذا قبل سنوات قليلة، ولا أعلم أين اختفى بالضبط، هل هاجر فعلا وحصل على جائزة " نوبل " للآداب من دولة ما... أم، ببساطة، تزوج وارتاح وأراح؟

[email protected]

المقال السابق للكاتبة

للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنا