المتأخرات المالية إلى متى؟

سلامة الدرعاوي يسجل لحكومة الدكتور هاني الملقي – والذي كان رئيس الوزراء الحالي الدكتور بشر الخصاونة وزيراً فيها- أنها وضعت برنامجاً مدته ثلاث سنوات لتسديد المتأخرات المالية المستحقة على الحكومة لصالح القطاع الخاص. وفعلاً بدأ وزير المالية حينها عمر ملحس بتنفيذ فوري لهذا البرنامج وقام بتسديد دفعة أولى بقيمة 124 مليون دينار. واستمرت عملية التسديد للقطاع الخاص من قبل حكومة الدكتور عمر الرزاز من خلال الاقتراض الداخلي لتسديد جزء من تلك المستحقات، لكن الأمر توقف بعد دخول المملكة في موجة جائحة كورونا. اليوم، مشهد المالية على الحكومة من قبل القطاع الخاص مؤسف بعد تناميه إلى حد بعيد، وباتت تلك المستحقات تؤثر سلباً على الأوضاع المالية للشركات، لا بل وحتى على قدرتها التوسعية أو الاستمرار في أعمالها بالوتيرة نفسها، فالتأخيرات تسببت بضغوطات مالية رهيبة على شركات القطاع الخاص، واستنزفت السيولة المالية لديها، وبعضها دخل في نفق الخسائر، ولم يعد قادراً على تلبية الخدمات الحكومية بنفس الوتيرة، مما تسبب في تراجع عدد من الخدمات المقدمة للمواطنين. شركة مصفاة البترول الأردنية، أكبر دائني القطاع الخاص للحكومة، تتجاوز مطالباتها للحكومة لغاية يومنا هذا 395 مليون دينار، ومن المتوقع أن يتجاوز هذا الرقم 400 مليون دينار مع نهاية العام وهي مقبلة على أحد أكبر المشاريع الاستثمارية في المملكة في المئوية الثانية، وهو مشروع التوسعة الرابعة بقيمة تناهز الـ2.6 مليار دولار، هذه المتأخرات تسببت بتشكيل وضع مالي غير سليم أمام الجهات التمويلية، وتعطي صورة غير حقيقية وغير سليمة على حقيقة الوضع المالي للشركة، فالممولون يحتاجون لمعرفة تفصيلية دقيقة عن أوضاع الشركة المالية وخريطة طريق سليمة وواضحة، وحول كيفية سداد الحكومة تلك المتأخرات عليها، وهذا الأمر يحتاج لموقف متزن من وزارة المالية بإيضاح حقيقة هذه المطالبات والتعهد بسدادها ضمن جدول زمني واضح. شركات الأدوية الموردة للحكومة، تطالب الجهات الرسمية بمطالبات تزيد على الـ370 مليون دينار، مستحقة على الحكومة التي تأخرت كثيراً في الدفع لتلك الشركات، والتي أحجم بعضها عن الاستمرار في الدخول بعطاءات الأدوية الحكومية بنفس الشروط السابقة، مطالبين بتعديلات على شروط العطاءات من أبرزها دفع المستحقات السابقة. تأخر الحكومة في سداد شركات الأدوية يعرض هذه الشركات لضائقة مالية كبيرة ويحد من قدرتها على إمداد السوق المحلية بالأدوية والمستحضرات الطبية العلاجية، مما يفسر حالات نقص الأدوية في بعض المراكز الصحية والمستشفيات التابعة لوزارة الصحة. الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فبعض هذه الشركات دخل فعلاً في خسائر عميقة بفعل نشاطها مع الحكومة، وبات وضعها المالي مقلق للغاية من حيث استمرار عملها وبقائها في السوق طالما بقيت الحكومة تغض الطرف عن تلك المطالبات. مركز الحسين للسرطان هو الآخر من المؤسسات التي تقاعست الحكومة عن سداد مطالباته والناجمة عن الإعفاءات التي تقوم بها الحكومة للمراجعين للمركز، فمن يصدق أن حجم هذه المطالبات من قبل المركز للحكومة بات يتجاوز الـ220 مليون دينار، وهو في وضع مالي صعب للغاية، وباتت قدرته على استيعاب المراجعين في ضغط شديد، مما يتطلب حلاً سريعاً من قبل الجهات الرسمية لمعالجة هذا الوضع المتأزم، ولا ننسا مستشفى الجامعة الأردنية الذي يطالب هو الآخر الحكومة بـ 100 مليون دينار. طبعاً هناك الكثير من المطالبات المالية المستحقة على الحكومة من شركات القطاع الخاص مثل المقاولات والاستملاك وشركات صناعية وتجارية وإعلامية مختلفة وقد تكون أرقام المطالبات بعشرات الملايين إن لم تكن بالمئات. هذه المتأخرات وبهذه الأرقام الكبيرة تتسبب على نحو مباشر في تعثر هذه الشركات أو الحد من قدرتها على النمو والاستثمار، في حين أن بعضها بات في نفق مالي مظلم نتيجة تراكم الخسائر وعدم توفر السيولة مما قد يدفع تلك الشركات إلى إعادة هيكلة أعمالها وتسريح العمال لديها، أو إلغاء خططها التوسعية. تأخر الحكومة في السداد لشركات القطاع الخاص يعني ان ارقام العجز في الموازنة ليست دقيقة، لأن هذه المطالبات لا تدخل ضمن تقديراته، وفي حال احتسابه سيكون العجز كبيرا، ولكنه حقيقي ويعكس الواقع، وهنا يتطلب من وزارة المالية في مشروع قانون موازنة 2023 إما رصد المخصصات المالية لتلك المتأخرات، أو عكسها على ارقام الموازنة، والتعامل معها لأنها مديونية عليها. الأمر يحتاج لتدخلات عميقة من قبل الحكومة لمعالجة هذه الاختلالات الكبيرة، والأمر ليس بالمستحيل، فبعد المراجعة الخامسة للصندوق وتحسن التصنيف الائتماني للمملكة، باتت قدرة الحكومة على الاقتراض أفضل بكثير من السابق، وهنا يكمن الحل السريع في ضبط هذه المتأخرات من خلال اقتراض الحكومة لتلك الأموال وسدادها للقطاع الخاص مما سينعكس إيجابياً على عمله وأنشطته التي ستعود حتماً بالنفع المالي الإيجابي على الخزينة خاصة والاقتصاد وعلى التشغيل والصادرات عامة، فهل ستخرج وزارة المالية من حالة الجمود مع هذه المتأخرات، وتقدم على معالجتها بشكل اقتصادي سليم يساهم في تحريك العجلة الاقتصادية والدوران المالي للقطاع الخاص؟. المقال السابق للكاتب  اضافة اعلان