المتخوفون من الحركات الإسلاموية مخطئون

المتخوفون من تقدم الحركات الاسلاموية في البلدان التي شهدت تغيير انظمة الحكم فيها كتونس ومصر وليبيا، والتي تنتظر وما بدلت تبديلا كسورية واليمن، مخطئون لانهم يتجاهلون الاساس الحقيقي الذي قامت من اجله هذه الثورات، المسقوفة بشعارات يسارية ديمقراطية هي حصريا ملك اليسار، ولا يمكن للحركات الاسلاموية ان تستجيب لهذه الشعارات مهما كانت درجة إعادة التأهيل وعمليات الماكياج التي خضعت لها في الفترة الاخيرة.اضافة اعلان
لنعترف ان اليسار العربي في حالة تراجع، والتراجع شمل كل جوانب الحياة العربية، وفي كل قطر عربي على مساحة 40 سنة من البيات الشتوي، منذ مطلع السبعينيات، رحل جمال عبد الناصر ورحل معه كل المشروع النهضوي المصري والعربي، وتمزق التضامن العربي بحروب الخليج الثلاث، وحوصرت كل التيارات اليسارية الديمقراطية، التقدمية، والليبرالية الوطنية على يد أنظمة الاستبداد والفساد.
علينا أن نقرأ أوضاع اليسار العربي برؤية شاملة لأزمة حركة التحرر والتقدم العربية في الخمسين سنة الأخيرة، فاليسار العربي وأقصد هنا كل من هو مع التغيير والديمقراطية وتحرير العقل من سلاسل القرون الوسطى، ومع التطور، أي كل من هو مع خطوات نحو إنهاء الاستبداد، ومع الدمقرطة والعدالة الاجتماعية، ومن هو مع الحريات العامة والعودة للشعب ومع قوانين انتخابية تمكّن كل مكونات الشعب من المشاركة بالقرار بالسلطة التشريعية والتنفيذية.
وعليه فإن قوانين الانتخاب هي التي ترسم ملامح التغيير؛ فإذا كانت قوانين الانتخاب قائمة على الصوت الأكثري أو على الدائرة الفردية، فإن كل القوى التي صنعت الثورات، والتي تنشد التغيير، لن يصل أحد منها إلى المؤسسة التشريعية والمؤسسة التنفيذية، فالمؤسستان التشريعية والتنفيذية تحتاجان إلى قوانين انتخاب تلم كل مكونات الشعب وفي المقدمة القوى الجديدة، أي قوانين تقوم على التمثيل النسبي الكامل، والمساواة بين الرجل والمرأة، هذا الذي يفتح الطريق نحو التحديث، والدمقرطة الجدية، والعدالة، والدخول في العصر الجديد.
ننتقد أوضاع اليسار العربي، وخاصة احزابه وقواه، لعدة اسباب، اولا لانها باتت في حالة من اليأس الفكري والثقافي وانعدام روح المبادرة أي حالة جامدة، ولذلك بدأت تخسر، وثانيا أن الانهيارات التي وقعت بالبلاد العربية وفي مقدمتها الارتداد الذي وقع لثورة 23 تموز (يوليو) ولقوى حركة التحرر والتقدم العربية، الذي وقع أيضاً في كل بلد من البلدان العربية نحو الخلف، ونحو اليمين، والماضوية وثالثا الارتدادات التي وقعت على المستوى العالمي أيضاً.
النهوض الكبير لليسار بدأ ببلدان أميركا اللاتينية وافريقيا السمراء وآسيا على يد القوى اليسارية والليبرالية الديمقراطية وقوى عصرية برجوازية، وظهرت  بلدان صناعية متقدمة أخذت بالرؤية الاشتراكية مثل الصين وإلى حد كبير الهند وفيتنام أو كوبا، وكذلك ما يجري الآن بأميركا اللاتينية وجنوب افريقيا من تحولات يسارية كبرى، أو الذي أخذ بطريق رأسمالي ولكن على قاعدة توطيد المعرفة الصناعية في بلده ليدخل عصر الثورة الصناعية.
بالنسبة لنا عربياً الآن هذه الثورات الجارية تفتح كل الطرق أمام نهوض جديد لقوى الحداثة ولقوى التقدم، أي لقوى التغيير والتطور، وللقوى التي تقف على اليسار.
علينا بروح العقل النقدي أن نراجع أنفسنا، ونربط الشعارات بالممارسة، ونربط الثقافة والمعرفة الفكرية بالاشتقاقات البرنامجية في خدمة الشعوب المطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، هذا هو اليسار الديمقراطي الجديد، الذي ينهض الآن في العالم العربي، حتى لو لم يحالفه الحظ مبدئيا في اكتساح صناديق الاقتراع.

[email protected]