المتعثرون.. مرة أخرى

سلامة الدرعاوي لا يمكن إطلاق الأحكام المطلقة على حالة المتعثرين ماليا، والمطالبة بإلغاء حبس المدين بشكل عام دون حفظ حق الدائن من جهة، وتعريف وتبويب وصف المتعثر من جهة أخرى، حتى لا يظلم احد وتتحقق العدالة النسبية بين أطراف المعادلة الحقوقية كاملة. الدعوة المطلقة والشاملة لإلغاء حبس المدين فيه ظلم للدائن وللخزينة ولصغار المتعثرين وغيرهم من الشرائح الاجتماعيّة التي تستحق ان ينظر في طلباتها بمنع الحبس. فهناك المئات إن لم يكن الآلاف من صغار المتعثرين الماليين نتيجة عدم قدرتهم على سداد التزاماتهم الماليّة المبرمة وفق شيكات مؤجلة، وغالبية هذه المبالغ قليلة لا تساوي كُلف حبسهم. هؤلاء من واجب الدولة إعادة النظر في محكوميتهم والإجراءات التي أدت لحبسهم، لأن كلفهم اعلى من حبسهم على الخزينة، فلا جدوى من حبسهم. وغالبية هؤلاء مدينون لأشخاص يتعاملون معهم بشكل مباشر، ويضعون عليهم فوائد عالية مستغلين حاجتهم الماليّة من جهة، وعدم وجود قانون يجرم الربا الفاحش من جهة أخرى، وهذا ما يستدعي من راسم السياسة اليوم إعادة النظر في هذه المنظومة. هناك عشرات من كبار رجال الاعمال الذين تعثرت اعمالهم لأسباب اقتصاديّة بحتة، اضطروا للهرب خارج البلاد تجنبا للحبس، وغالبيتهم يملكون أصولا مختلفة محجوزا عليها بواسطة احكام قضائية قطعية في بعضها، جعلتهم بسبب تلك الأحكام غير قادرين على إجراء أيّ تسويات ماليّة رغم قدرتهم على ذلك ضمن معادلة مقبولة للجميع، هنا يتطلب من المعنيين النظر بأوضاع هذه الشريحة، ومساعدتها قدر الامكان على العودة للبلاد وترتيب ملفاتهم بالشكل الذي يسمح لهم بعمل تسويات ماليّة تضمن حقوق الدائنين. لكن لا يمكن إجراء تسوية مع من استغل الثغرات القانونيّة المختلفة ليحتال على المواطنين والبنوك والشركات ويهرب للخارج، هذا لا يمكن ان نعتبره متعثراً، بل هو محتال ونصاب بالدرجة الاولى يستحق العقاب المنصوص عليه بالقانون. الدعوة المطلقة لإلغاء حبس المدين ستسمح بتسلل العديد من المحتالين للتستر وراء هذا الشعار الشعبوي، والذي فيه غبن حقيقي وكبير للدائنين. من غير المنطق إلغاء حبس المدين دون ان يكون هناك تبويب وتعريف لمن هو المتعثر، وهذه مسؤولية المشرع الأردني في وضع الوصف العادل له، والتفرقة بين من تعثر اقتصادياً ومن خطط للنصب والاحتيال. المشكلة ان غالبية التعاملات في الاقتصاد الوطني تتم وفق شيكات مؤجلة، وهذا الجزء يعتبر خللا وتشوّها كبيرا في الممارسات التجاريّة الداخليّة التي جعلت من الشيكات أداة ائتمان وليست أداة للدفع، وهذا ما يستدعي أيضا الوقوف عليه وإجراء جراحة عميقة لهذا الخلل الكبير. أخيرا، ليس من مصلحة الدائن حبس المدين، فهو في النهاية يرد حقوقه الماليّة لا أكثر، والحبس في المجتمع الأردنيّ ووفق المعدّلات في المشهد العام لا تعدو كونها تحذيراً او أداة للضغط على الدائن لإجباره على دفع ما عليه، لذلك إن وجدت أدوات مرنة كما هو معمول بها في باقي دول العالم لتحصيل حقوق الدائن ومتابعة المدين إداريا وماليّاً، حينها لن يكون هناك داع لحبس المدين.اضافة اعلان