المثقف السلبي

لا يكتسب الإنسان صفة المثقف إلا إذا كان إيجابياً، حاضراً في محيطه الإجتماعي ومتفاعلاً مع القضايا العامة من حوله، وبالتالي فإنه يظل فاقداً لهذه الصفة حتى وإن حاز أرفع الدرجات العلمية، ونال سهماً وافراً من المعرفة الأدبية، وارتقى إلى رتبة اجتماعية تضعه موضع الاهتمام في بيئته الصغيرة.

اضافة اعلان

     ذلك أن التفاعل الخلاق مع المحيط، واتخاذ موقف نقدي إزاء ما يطرحه جدول الأعمال اليومي من قضايا ومعضلات ومسؤوليات، هو الشرط الأول لاكتساب صفة المثقف هذه، التي تعني إنساناً إيجابياً بالضرورة، له إسهاماته الفكرية ومنتجاته الإبداعية، ولديه مواقف جريئة معلنة، مما يجعل منه إنساناً متعدد الأبعاد، متنوع الاهتمامات، ومبادر من دون تردد.

     وعلى العكس من ذلك، فإن من يمكن أن نسميه مثقفاً سلبياً، هو إنسان ذو بعد واحد، يكون في الغالب مسطح الوعي، يقتصر اهتمامه على نفسه وشؤونه الخاصة، يحفل كثيراً بجاذبيته الشخصية، حتى يصبح محل إعجاب من جانب المتصلين به وظيفياً أو اجتماعياً، وموضع إطراء لا يخلو من الرياء، ونقطة جذب لكل من يتقاطع معه في المحيط المجاور.

     وهكذا فإن المثقف السلبي هو المرء الذي يعشق نفسه، ويجهد كثيراً كي يظل مظهره الخارجي في أحسن صورة ممكنة، على نحو يستقطب الإعجاب ويثير الغرائز لدى الجنس الآخر، وهو في سبيله إلى ذلك لا يتورع عن التصنع كثيراً والمبالغة في التمظهر والادعاء والتكلف، وامتداح النفس من دون تحفظ.

     كذلك فإن المثقف السلبي هو من يرى نفسه في موضع القلب من كل ما يحيط به، ويبصر العالم من منظور الذات المتقوقعة في محارتها الخاصة، لا يهتم إلا بما يخصه، ولا يعيش إلا لنفسه، ولا يعرف المشاركة في الأنشطة العامة إلا إذا عادت عليه بمردود نفعي، حتى ولو كان خبراً صحافياً منشوراً في صفحة داخلية.

     وتزدهر شخصية المثقف السلبي في المجتمعات ذات الدرجة المنخفضة في التعليم، والمستوى المتواضع في المعيشة، والذهنية المفعمة بالغيبيات، حيث يحقق المثقف السلبي في مثل هذه البيئة رواجاً لا يستطيع أن يأتي بمثله في بيئات أكثر تطوراً وأرفع مستوى اقتصادياً وأشد انفتاحاً على قيم العالم الواسع ومثله العليا.

     وعليه فإن استغراق المثقف السلبي في عوالمه الخاصة يؤدي به إلى إعادة إنتاج وعي مسطح لعالمه الخارجي، ما ينعكس على رؤيته ليس فقط لنفسه، وإنما أيضاً لدوره المحدود في الحياة، ولرؤيته الجزئية المتعلقة بالتطورات الاجتماعية والأحداث والتقلبات السياسية من حوله، أي أنه إنسان لا وجود له خارج عالمه الذاتي المغلق على رغباته في التملك والاستحواذ وكل ما يقع في دائرته الخاصة.

     وإذ نحاول جلاء صورة المثقف السلبي من الداخل، وتشخيص موقفه ودوره ورؤيته للعالم الخارجي من حوله، فذلك كي نركز مزيداً من الضوء على شخصية المثقف الإيجابي، صاحب الحضور الرصين والحيوية التي يختلط فيها الهم الشخصي مع الهموم الوطنية، المتمسك بسلم قيم وتقاليد وأفكار تحظى باحترام العامة، وتحدث فرقاً نوعياً في مساراتهم الحياتية.

[email protected]