المثقَّف الرثّ

أستعير من الزميل الأستاذ ابراهيم غرايبة هذا الوصف "الرثّ" من مقالةٍ له سابقة، لتشير إلى الحال التي آلت إليها الثقافة وأصحابها في بلادنا. وهو ليس شتيمةً انفعاليّة، بمقدار ما هو وصف حزين. فبينما يكونُ المُعوَّل على تأمين الإصلاح السياسيّ والاجتماعيّ يعتمدُ إلى حدٍّ بعيدٍ على المنطلَقات التي يتبناها الجسد الثقافي، فإنَّ هذه المنطلقات تتفرطعُ في كلِّ اتجاه، غير متجمعةٍ حول أي نقطة محوريّةٍ جوهريّةٍ مهمةٍ للنهوضِ أو للتعافي. وبينما اليمنُ والعراقُ وليبيا في مجازر بشعة وتدميرٍ كامل، تحظى القضية السورية وحدها دون سواها على حقِّ الاختصامِ حولها، والذي بلغ من عنفِه حدَّ الاحترابِ والتخوين. فالواقف والواقفةُ مع سورية "الدولة" يغضُّ الطرف عن جرائمِ نظامها البشعة وصَوْلات كلٍّ من إيران وروسيا فيها. والواقف مع "المعارضة" يغضُّ الطرف عن تحالفاتها الخارجيّة التي تدعو إلى تأجيج القتال وتدمير البلاد. بل يرى في فصائل الإسلام السياسي وداعش والتدخل الأميركي قوةً مُستحَبَّة للقضاء على النظام. هذا الخلل البنيوي في الحالة الثقافيّة الأردنيّة جرَّ إليه أعلاماً بات الشتمُ أحدَ أسرعِ مقولاتهم الفكريّة. ناهيك عن التخوينِ والاتهام بمساندة المستبدّ على شُبهة صمتٍ. اضافة اعلان
بل إنَّ هذا الانقسام المريب جعلَ من الممكنِ أن يتسلَّلَ إلى الجسم الثقافيّ الفكرُ الداعشيّ نفسه بألوانه المخفَّفة الآن والتي ستزداد ثقلاً مع الأيام. والشواهد على ذلك أكثرَ من أن تُحصى، وقد تناولناها في مقالات سابقة.
نعم! هناك فئةٌ قليلةٌ ارتأت أنَّ الخوض في الشأن السوري على نيّة الانفعال أو التحليل ستورطها في تهمة الانحياز إلى أميركا أو روسيا، أو إلى تركيا أو إيران، أو إلى السعودية وقطر من جهة، وإلى النظام السوري من جهةٍ أخرى. ومع ذلك لم تنجُ هذه الفئة من تهم الانحياز، مع أنها تحاولُ أن تنأى بنفسها عن الانخراطِ في هذه المكرهة الثقافيّة السياسيّة التي لا تتورّعُ عن تأجيجِ حربٍ أخرى بين أهل الحقلِ الواحدِ في البلدِ الواحد، لن تجدي نفعاً في إطفاء الحرب الحقيقية الدائرةِ في سورية. وإذ يبدو لي الخصمان على طرفَيْ تشنّجٍ يصرفُ قوتهما عن التفكير في الشَّأن الداخليّ، ويمنعهما من أن يتحقَّقَ أي نجاحٍ في إيقافِ انهيار البلد، بله في تعميره، فإنَّ العودة إلى الرشدِ، وطلبَ المصلحة العامة يقتضي أن نجتمعَ على مشتَرَكٍ، يجعلنا ننتبهُ إلى حقيقةٍ من حقائق الخطر الداعشيّ الذي يتهدّدنا مجتمعاً ودولةً، وهي تلك الأرقام التي تتحدّثُ عن انضمام شبابنا إلى داعش وأخواتها. مما يحمِّلنا جميعاً مسؤولية مناهج ومساجد ومراكز تحفيظ قرآن وغياب مسارح ومنتديات ومراكز فنون وثقافةٍ وشباب، تفعلُ فعلها في غياب الرقابة والتخطيط السويّ.
لنجتمعْ على مشترَك قبل أن ننتبه من غفلتنا الطويلة على هلاك!
دعونا لا نفقد الأمل!