المحاميد والمهمات الجسام

 من يدقق في مسيرة رئيس محكمة التمييز القاضي محمد سلامة المحاميد، يدرك أن ذاك الفتى الذي درس الثانوية العامة في الكلية الابراهيمية في القدس العام 1965، واغترب في العراق لسنوات عجاف طالبا في كلية الحقوق في جامعة بغداد،  قد سار من قديم على خط العصامية الشفيف بخطى واثقة، أوصلته الى ذروة سنام القضاء بعلمه وجده وكده وصبره.اضافة اعلان
تسلح الرجل بالتجربة الطويلة، والخبرة التي مكنته من هرم القضاء منطلقا من صورة صادقة  للقاضي النزيه منذ كان قاضيا للصلح في الكرك العام 1975، متدرجا بعد ذلك في مناصب مختلفة في القضاء، ليثبت ابن القرية النائية أن "في النأي اقتراب " من كل معاني الصدق والشفافية والمسؤولية.
إن التوجيه الملكي للرجل الاول في الجهاز القضائي، استقبلته نظرات الثبات والإصرار في ملامح الرئيس اثناء أدائه القسم.
كان تشرشل يردد "ما دام القضاء بخير، فبريطانيا بخير" ولم يكن الكلام على عواهنه؛ فالناس اذا شعروا بأنهم لا يظلمون، وأنهم على مسافة واحدة من سلطة القضاء، فلن يدخروا انتماءهم ولا ولاءهم بأي حال؛ لأنهم لسبب بسيط يكونون قد شعروا بالأمن الاجتماعي.    لا شك أن المهمات التي بانتظار رئيس المجلس جسام، وأمامه المشكلة القديمة الجديدة وهي "طول أمد التقاضي"، ولكننا نعتقد جازمين أنه يمتلك النظرة الثاقبة والإرادة الصلبة نحو حلها، وهو الذي يدرك أن عنصر الزمن من عناصر الحق النفسية كما في فلسفة القانون، واليوم لا نراهن على الزمن بقدر رهاننا على رجل يدرك الحق كمعنى سام لا يتسلل اليه تقادم قانوني أو نفسي يتأتى اليه من أي حدب أو صوب.
نحن على يقين بأن التقرير السنوي الذي يرفعه رئيس المجلس القضائي الى جلالة الملك حسب أحكام المادة 8 من قانون استقلال القضاء رقم 15 لسنة 2001 ستختلف في المستقبل القريب تفاصيله بصورة ايجابية لافتة ومؤثرة يلمس الجميع أبعادها، وسينجز رئيس المجلس الكثير من خططه وبرامجه ورؤاه بهمة لا يساورها كلل، وعزيمة لا ينفذ اليها وهن. إن ما يميز رئيس المجلس اضافة الى أنه ابن الجسم القضائي منذ العام 1975، حيث عركَ كل صغيرة وكبيرة من خباياه وهمومه، هو ذلك النفَس الطويل تجاه المهام الكبيرة، والمتزامن لديه مع الاصرار الحقيقي، والايمان العميق بنجاعة الحق والحقيقة، في أن يسود العدل ويتمتع كل مواطن بمحاكمة عادلة وفق اقصى درجات النزاهة والشفافية.
محاميا يافعا كنت قبل خمس عشرة سنة حين تعرفت الى معالي رئيس المجلس القضائي وقد كان يومذاك رئيسا لمحكمة بداية عمان، برفقة أستاذي المحامي سامي عويمرين، وأدركت عميق دلالات كلمات استاذي، بأني "أتعرف اليوم الى رجل من رجالات الأردن الاستثنائيين؛ الذين يمتلكون نظرة تؤهلهم للتغيير الايجابي، ويستطيعون الإضافة الى المعاني والقيم النبيلة في الجسم القضائي، والأهم من كل ذلك أنه يؤدي مهامه الجليلة بصمت، لا ينتظر جزاء الا من ضميره الذي يعنيه أن يظل مرتاحا مهما كان الثمن".

[email protected]