المحرومون: درس فلسطين المنسيّ من جنوب أفريقيا ما-بعد الأبارتيد

Untitled-1
Untitled-1

جوزيف دانا* - (مجلة 972+) 19/11/2020

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

أولئك الذين يتطلعون إلى جنوب إفريقيا كنموذج للنضال ضد الفصل العنصري الإسرائيلي يلحقون الضرر بأنفسهم بتجاهل الكيفية التي ضمنت بها الرأسمالية العنصرية استمرار عدم المساواة والقمع بعد 30 عامًا.
الجزء الأول من سلسلة تستكشف كيف يمكن للانتقال المتعثر في مرحلة ما-بعد الأبارتيد في جنوب إفريقيا إلى المساواة أن يرشد مستقبل إسرائيل-فلسطين.

* *
كيب تاون- كل صباح يوم اثنين، تسافر مربية ابني، ميريام، ساعة عبر مدينة كيب تاون إلى منزلنا. وتأخذها هذه الرحلة عبر مدن الأكواخ البائسة، وحروب النفوذ بين العصابات المتنافسة، وفوضى البنية التحتية العامة غير الملائمة إلى حد رهيب. وغالبًا ما تكون على الطريق احتجاجات تنتهي بإطلاق الشرطة الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي على السكان الذين سئموا من الحالة المريعة للخدمات العامة.
بمجرد وصول ميريام إلى منزلنا في وسط كيب تاون، يبدو الأمر كما لو أنها انتقلت في رحلة فضائية إلى عالم آخر. ويقوم الآلاف من العمال ذوي الدخل المنخفض برحلة مماثلة كل صباح ليعودوا إلى بلدات ينعدم فيها القانون في المساء بشكل أساسي. وهذا الانقسام المكاني بين هذه المناطق، الذي أملته أعوام من التخطيط الحضري الواعي، منظم بدقة على أساس خطوط عرقية وطبقية.
كان انتصار جنوب إفريقيا على نظام الفصل العنصري منذ ما يقرب من 30 عامًا أحد أكثر الأحداث دراماتيكية في القرن العشرين. وكان التعايش السلمي، والمصالحة، وإنشاء مؤسسات ديمقراطية قابلة للحياة، من بين الإنجازات العديدة لفترة ما-بعد الفصل العنصري. وعندما سألَت صحفية مصرية قاضية المحكمة العليا الأميركية، الراحلة روث بادر جينسبيرغ، عما إذا كان يجب على المصريين محاكاة الدستور الأميركي، أصرت القاضية على أنهم ينبغي أن يتطلعوا إلى دستور جنوب إفريقيا بدلاً من أميركا، واصفةً إياه بأنه "محاولة متعمدة للحصول على أداة أساسية للحكومة، والتي تتبنى حقوق الإنسان الأساسية".
ومع ذلك، بعد 30 عامًا، يبدو أن هذا الثناء كان في غير محله. فقد تم تصنيف جنوب إفريقيا ما-بعد الأبارتيد على أنها أكثر المجتمعات افتقاراً إلى المساواة في العالم. ما تزال الامتيازات الاقتصادية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالعرق، حيث المناطق السكنية الأغلى ثمناً بيضاء بشكل حصري تقريبًا ومدن الأكواخ سوداء. ومع تفشي عنف المخدرات والعصابات، فإن لدى بعض البلدات في كيب تاون، مثل خايليتشا، أعلى مستويات عنف السلاح على مستوى العالم. وفي المقابل، تعد أحياء "كرامبس باي" و"سي بوينت" الخلابة موطنًا لأغلى العقارات في القارة الأفريقية. ولا تزيد المسافة بين هذه المناطق كثيراً على 30 كم -أقل من 45 دقيقة بالسيارة.
وفقًا للبنك الدولي، يمتلك أغنى 10 في المائة من مواطني جنوب إفريقيا أكثر من 90 في المائة من إجمالي ثروة البلاد، في حين أن 80 في المائة لا يمتلكون أي ثروة تقريبًا. ويتفاقم هذا التقسيم بحقيقة أن الغالبية العظمى في الناس في أسفل الهرم الطبقي هم من السود. وبينما كانت هناك زيادة في عدد أفقر الجنوب أفريقيين البيض في الأعوام الثلاثين الماضية، فإن الصورة الاقتصادية ما تزال في الغالب من دون تغيير عندما يتعلق الأمر بالعرق. ويشكل البيض إلى حد كبير الطبقتين الوسطى والعليا، بينما يظل السود فقراء.

هياكل مهدمة في حي أكواخ لمجتمع الماريكانا في كيب تاون، جنوب أفريقيا - (المصدر)

بعبارات أخرى، لم ينته الفصل العنصري أبدًا في جنوب إفريقيا -وإنما تحوَّل فقط. فقد أفسح الفصل العنصري الدستوري المجال للفصل العنصري الاقتصادي، مع بقاء النتائج على حالها إلى حد كبير بالنسبة لغالبية السكان. وقد فقدت الأقلية البيضاء في جنوب إفريقيا السلطة السياسية في العام 1994 بعد قرون من الاستغلال، ومع ذلك احتفظت بالسيطرة على الاقتصاد. وأولئك الذين ينظرون إلى النضال ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا باعتباره نموذجاً لإنهاء مظاهر الاضطهاد المماثلة -وعلى رأسها النضال ضد الاستعمار والفصل العنصري الإسرائيلي- إنما يلحقون الضرر بأنفسهم من خلال تجاهل الديمومة التي تغير شكلها فقط للفصل العنصري ومظاهره الاقتصادية.
في الحقيقة، في واقع الدولة الواحدة الحالي في إسرائيل وفلسطين، بدأت تحولات مماثلة في التشكُّل مستقبلاً. ونظرًا للتحولات الزلزالية ابتعاداً عن حل الدولتين في العام 2020، فقد حان الوقت لتفكير ونقاش جديدين حول كيفية فشل جنوب إفريقيا في معالجة الفصل العنصري الاقتصادي، وما يعنيه ذلك بالنسبة لإسرائيل وفلسطين.
تحويل الخطاب حول إسرائيل وفلسطين
يمكن قول إن توقيع اتفاقيات إبراهيم بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين هذا العام وجّه الضربة النهائية لحل الدولتين. فمن خلال التخلي عن موقف التطبيع مقابل السلام الذي تم اعتناقه لوقت طويل، قوضت الاتفاقيات أسس نهج العالم العربي تجاه الصراع. ومع وجود هذه العلاقات المربحة في متناول اليد، أصبحت لدى إسرائيل أسباب أقل للتخلي عن موطئ قدمها من الضفة الغربية المحتلة وغزة. وهكذا، فإن شرط الدولة الواحدة غير المتكافئ الذي حذر منه الفلسطينيون والحلفاء منذ فترة طويلة -والذي تسيطر فيه إسرائيل على كل أولئك الذين يعيشون بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن- يكون بذلك قد أصبح هنا ليبقى.
بينما كانت اتفاقيات إبراهيم قيد الإعداد في أبو ظبي وتل أبيب وواشنطن، بدأ الليبراليون المؤثرون الذين جادلوا بحماس للدفاع عن حل الدولتين في تغيير مواقفهم، مدفوعين ظاهرياً بخطط إسرائيل لضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية خلال الصيف. وفي مقالتين تاريخيتين نشرتا هذا الصيف، قام الكاتب الأميركي، بيتر بينارت، بتدوين ملامح هذا التحول المحوري من خلال رفض حل الدولتين لصالح نموذج لحل الدولة الواحدة مع المساواة للإسرائيليين والفلسطينيين. وفي حين أن حججه لم تكن جديدة، إلا أنها تمثل بداية تحول مهم في كيفية فهم الصراع ومناقشته بين اليهود الأميركيين، وهم حجر الأساس للدعم المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة.
بالاقتباس بكثافة من الكُتاب الفلسطينيين، شرح بينارت ببلاغة التمثيلية الهزلية لحل الدولتين، وحدد كيف أن الوضع الحالي غير المستدام يحفل بالكثير من الإحالات إلى جنوب أفريقيا في حقبة الفصل العنصي. وأوضح أن الواقع الحالي هو دولة واحدة تتمتع فيها مجموعة من الناس بحقوق بينما لا تتمتع الأخرى بأي حقوق. ولذلك، فإن الحل العادل هو دولة واحدة ذات دستور قوي يضمن الحقوق نفسها للجميع. وهذه علامة رائعة على أن كاتبًا في مكانة بينارت يكرر أخيرًا حججاً وأطروحات قدمها فلسطينيون بصوت عالٍ وبعاطفة متحمسة على مدى أعوام.
كان الكتاب والمفكرون الفلسطينيون، الذين عاش الكثير منهم في ظل واقع الدولة الواحدة لعقود، قد استكشفوا بالفعل المظاهر الخفية للمشروع الاستعماري الإسرائيلي. على سبيل المثال، في موجز للسياسات في العام 2017 نشره مركز الأبحاث "الشبكة"، أوضح حيدر عيد وأندي كلارنو Andy Clarno الحاجة إلى تحويل فهمنا للفصل العنصري بعيدًا عن التفسير الضيق وغير الكامل الذي يوفره القانون الدولي. وكتبا:
"لأن التعريف (القانوني) يركز فقط على النظام السياسي، فإنه لا يوفر أساسًا قويًا لانتقاد الجوانب الاقتصادية للفصل العنصري. ولمعالجة هذا الشأن، نقترح تعريفاً بديلاً للفصل العنصري، والذي انبثق عن النضال في جنوب إفريقيا خلال الثمانينيات وحصل على دعم بين النشطاء بسبب محدوديات مظاهر إنهاء الاستعمار في جنوب إفريقيا بعد العام 1994 -وهو تعريف يضع الفصل العنصري في إطار اتصاله الوثيق بالرأسمالية".
في بحثهما عن مقاربة جديدة للصراع، أخذ عيد وكلارنو بعين الاعتبار الحوار بين "حركة الوعي الأسود" والماركسيين المستقلين الذي كان قد بدأ في السبعينيات. كان في تلك الفترة حين أصبحت الأفكار عن "الرأسمالية العنصرية" أكثر بروزًا في حركة تحرير جنوب إفريقيا. وقد حذر المثقفون والناشطون في ذلك الوقت من أن انتقال جنوب إفريقيا إلى الديمقراطية الكاملة سوف يتعرض للإعاقة إذا لم يتم إصلاح الهياكل الاقتصادية الأساسية في البلاد بشكل جذري. وهو ما حدث بالضبط.
كتب وليام شوكي William Shoki في موقع "أفريقيا بلد" Africa Is a Country: "بقدر ما كانت سياسة الفصل العنصري الرسمية تدور حول تقنين التسلسل الهرمي العرقي بشكل صريح وتطبيقه من خلال القانون والعرف، فقد خدم ذلك التقنين أيضاً كمبرر للاستغلال الاقتصادي -وهو ما يشكل استمرارية جنوب إفريقيا قبل وبعد 1994".
وعلى الرغم من الكتابات المهمة لأشخاص مثل عيد وكلارنو، فإن معظم النقاشات حول سيطرة إسرائيل على الفلسطينيين ما تزال تفتقر إلى معالجة البعد الاقتصادي الحاسم. ويجب أن تتغير طبيعة هذه النقاشات.
الرأسمالية والاستعمار
كان أحد الأغراض المركزية لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا هو تركيز القوة الاقتصادية في أيدي القلة. وبينما كان التفوق الأبيض مكونًا محدِّدًا (ولا ينبغي التقليل من شأنه)، فقد كانت الأيديولوجية نفسها وسيلة لتحقيق غاية مالية محددة. من نواحٍ عديدة، كان نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا أكثر اهتمامًا بالعمالة الرخيصة لعملياته في التعدين من اهتمامه بتشجيع تفوق البيض.
في تشخيصه للرأسمالية العرقية -وهي عدسة تصف الكثير في كل من جنوب إفريقيا الحالية وإسرائيل-فلسطين أيضاً- كتب الأكاديمي الأميركي سيدريك روبنسون Cedric Robinson أن الرأسمالية تستخدم أنظمة القهر، مثل الفصل العنصري، من أجل تطوير نفسها والحفاظ على الهيمنة. ونظرًا لأن الرأسمالية نشأت في بيئة محمّلة مسبقاً بالعنصرية (أي أوروبا الغربية)، فمن المنطقي فقط أن يصبح هذا النهج معتمداً على العبودية، والعنف، والإمبريالية والإبادة الجماعية. وفي كتابه الرائع، "الماركسية السوداء: صنع التقليد الراديكالي الأسود"، يلاحظ روبنسون أن "التطور التاريخي للرأسمالية العالمية تأثر بشكل أساسي بعقيدة التعزيز الحصري للمصالح الخاصة للقوى العنصرية والقومية".
على الرغم من الخلافات حول المفهوم (بما في ذلك بين الماركسيين أنفسهم)، اكتسبت نظرية "الرأسمالية العنصرية" قوة بين النشطاء والمثقفين في جنوب إفريقيا الذين ظهروا داخل "حركة المؤتمر الأفريقي" وداخل "حركة الوعي الأسود" بعد انتفاضة سويتو في العام 1976. ومع الاستفادة من التأمل البَعدي التاريخي، أثبت ذلك المفهوم أنه متوافق بشكل ملحوظ مع الواقع على الأرض اليوم. وفي واقع الأمر، قام رأس المال بتعيين واحتواء القيادات الحالية في كل من جنوب إفريقيا وفلسطين لضمان بقاء النظام الاقتصادي النيو-ليبرالي السائد قائماً.
من المثير للفضول معرفة أن هذه العملية بدأت في كلا السياقين في نفس الوقت تقريبًا في أوائل التسعينيات. وعندما أصبح من الواضح تماماً أن الفصل العنصري لم يعد مستدامًا، التقى قادة المؤتمر الوطني الأفريقي (ANC) مع سماسرة القوة في اقتصاد جنوب إفريقيا. وعلى الرغم من موقع القوة الذي تمتعوا به في التفاوض على إنهاء الفصل العنصري، استسلم قادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي تقريبًا لكل مطالب رأس المال الأبيض.
سلطت المفاوضات التي جرت في التسعينيات بين خبراء حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذين تلقوا تعليمهم في الاقتصاد الغربي ونخبة رجال الأعمال البيض في جنوب إفريقيا الضوء على مدى خروج حزب المؤتمر الوطني الأفريقي على مبادئه. وقد سرد عضو حزب المؤتمر الوطني الأفريقي منذ فترة طويلة، روني كاسريلز Ronnie Kasrils، قصة تلك الاجتماعات المبكرة لصحيفة "الغارديان" البريطانية في العام 2013، مشيرًا إلى أن اقتصاديي حزب المؤتمر الوطني الأفريقي "كانوا يقدمون تقاريرهم إلى مانديلا، وهم إما أنهم خُدعوا وتغلب الخصم عليهم في الدهاء، أو تعرضوا للتخويف بحيث خضعوا للتلميحات عن العواقب الوخيمة التي ستواجهها جنوب إفريقيا في حال سادت حكومة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي مع ما اعتُبرَت سياسات اقتصادية مدمرة".
نتيجة لهذه المفاوضات -التي صُممت ظاهريًا لمنع جنوب إفريقيا من الانزلاق إلى حرب أهلية دموية- قبلت حكومة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الجديدة المسؤولية عن ديون حقبة الفصل العنصري؛ وعلقت خططًا لفرض ضريبة على الثروة لتمويل مشاريع التنمية؛ ووافقت على السماح للشركات المحلية والدولية بالاحتفاظ بالأرباح التي حققتها خلال حقبة الفصل العنصري. ومع عدم وجود رأسمال كبير لدفع استراتيجية الإصلاح الاقتصادي، والتي كانت ضرورية لنقض أعوام من اقتصاد الفصل العنصري، كان حزب المؤتمر الوطني الأفريقي مجبرًا بشكل أساسي على تبني أساسيات التجارة الحرة الغربية.
بصرف النظر عن رأسمال الأقلية البيضاء، كان الفائزون في هذا التحول هم كبار سياسيي حزب المؤتمر الوطني الأفريقي أنفسهم. فقد تم تعيين العديد من هؤلاء السياسيين في مجالس إدارة الشركات الجنوب أفريقية الكبرى وأصبحوا أثرياء، شخصياً، بطريقة تفوق الخيال. وقد جمع الرئيس الحالي لجنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا Cyril Ramaphosa، ثروة شخصية كعضو في مجالس الإدارة ومستشار للعديد من شركات التعدين الكبرى. وعندما قتلت قوات الأمن 34 من عمال المناجم أثناء احتجاجهم على الظروف السيئة والأجور المنخفضة في منجم ماريكانا في العام 2012، خرج إلى دائرة الضوء منصب رامافوزا كمدير غير تنفيذي لمشغِّل المنجم -حتى أنه طالب باتخاذ "إجراءات متزامنة" ضد عمال المناجم خلال الاحتجاج الذي استمر أسبوعًا.
تطلب تشكيل هذه الطبقة النخبوية من المؤسسة السياسية في جنوب إفريقيا منها أن تظل ملتزمة بنفس البنية الاقتصادية التي سبقت الفصل العنصري -بالتحديد، البنية التي وزعت الثروة على القلة بدلاً من تلبية احتياجات الكثرة. ولعل الاختلاف الوحيد المهم هو أن حفنة من السود في جنوب إفريقيا انضموا إلى النخبة.
إن استراتيجية إثراء مجموعة من السكان الأصليين الذين يديرون المشروع الاستعماري من تلقاء أنفسهم هي فكرة قديمة اتخذت شكلاً جديدًا بمجرد أن تولى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي السلطة السياسية في العام 1994. وحوالي ذلك الوقت، وهو ما أصبح إجراءً عمليًا في فلسطين أيضًا. وتختلف الخصوصيات، لكن التأثير في كل من جنوب إفريقيا ما-بعد الأبارتيد وفلسطين متشابه: تتبنى النخب سياسات اقتصادية توسع بشكل كبير ثروتها الخاصة بينما تثبت أنها كارثية على السكان الذين من المفترض أن تمثلهم وتدعمهم.
كما يلاحظ ويليام شوكي، فإن "الدرس المستفاد من جنوب إفريقيا، أثناء وبعد الفصل العنصري، هو أنك بمجرد أن تبدأ في التساؤل عن الشيء الأساسي الذي ينظم المجتمع، أي الاقتصاد، سوف تبدأ السلطة في الارتجاف في أحذيتها".


هذه السلسلة سوف تجد تلك القوة وتعود إليها. وسوف تركز الدفعة التالية على إظهار واضح للقوة الاقتصادية في جنوب أفريقيا ما-بعد- الفصل العنصري: ملكية الأراضي والحقوق في كيب تاون. وكدراسة حالة، يوضح الصراع على الأرض في كيب تاون كيف نجا الفصل العنصري في جنوب إفريقيا من الديمقراطية. وعلى الرغم من الدفع الواضح لتفكيك هذا الإرث الدنيء، ما يزال "الحق في التمتع بالحقوق" الأساسي محرّما على الكثرة.
سوف تعيد هذه الدفعة الأخيرة التركيز إلى إسرائيل-فلسطين وتدرس كيف تم بالفعل إنشاء هياكل الفصل العنصري الاقتصادي. ومع انتخاب جو بايدن على حساب دونالد ترامب، أصبحت هذه القضايا الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى. بكل المقاييس، سوف يواصل بايدن إرث باراك أوباما القائم على الوضع الراهن في إسرائيل وفلسطين. وهذا يعني أن منظمات مثل السلطة الفلسطينية، والتي توفر لإسرائيل غطاءً كبيرًا في تنفيذ الاحتلال، ستظل قوى مهيمنة في الصراع.
يشكل تاريخ جنوب إفريقيا المعقد والمتقلب خريطة طريق قيمة للتفكير في التحديات التي تواجه إسرائيل-فلسطين، وتقديم الطرق المحتملة للمضي قدُماً بتركيز أكثر حدة. وبعد أن أصبح حل الدولتين وراءنا، فمن المهم أكثر من أي وقت مضى التفكير في الكيفية التي يستمر بها الفصل العنصري في الازدهار بفضل اقتصاديات الهيمنة الكامنة وراءه.

  • Joseph Dana: كاتب مقيم في كيب تاون، جنوب أفريقيا. عمل سابقًا في أماكن مختلفة من الشرق الأوسط.
    *نشر هذا المقال تحت عنوان: The Dispossessed: Palestine’s forgotten lesson from post-apartheid South Africa