المحسن والمسيء

مهنا نافع

نعلم ان البشر لا يرمون الحجر الا على الشجر الذي علاه الثمر. ونعلم ان السماح والسماحة خلق رفيع جميل أصيل، حتى أن بعض العرب وصل بهم الأمر أن قالوا إن دية القتيل عند أهل الكرام هي اعتذار.
نعم اعتذار، فمن أعلى هرم الاساءة بين البشر وهو القتل يأتي أهل الكرم ليعفوا عن قاتل ذويهم متنازلين عن كافه حقوقهم، وقابلين باعتذار، قابلين بأن الأمر كان قضاء الله وقدره، وان الأمر كان بمثابه خطأ.
بالفعل ذلك قمه الكرم، ولكن هل يستحق الجميع هذا الكرم العارم؟
لو نزلنا السلم لبداياته وتتبعنا عثرات الناس واساءة البعض منهم لبني جنسهم، ونرى الاساءة تلو الاساءة ثم يأتي السماح تلو السماح، فما الذي نفهمه من هذا؟
نعم انهم أناس طيبون. نعم ليس بالامر الجلل، نعم سيمر الأمر كما مر في السابق، نعم، ونعم هذا هو ديدن المسيء يكرر ويكرر الاساءة مستغلا حلم الحليم او فقر الفقير او حتى ضعف المريض.
هو يعلم ان الناس لن تتعب عقولها بالتحري والبحث والتنقيح رغم فضولهم لسماع البعض من التفاصيل، فحتما لديهم ما يشغلهم عن ذلك وسينتهي الحكم غالبا بالجملة التي تجلب لهم راحة العقل والضمير، الا وهي: الحق يقع على الاثنين، على الطرفين.. على الجميع، وهو ايضا يعلم من خلال تجربته المهولة بالاساءة ان الامر سينتهي وسيستوي الخبيث بالطيب، ثم يمضي الأمر.
لا بد أن نفهم ان ما نسميه بالخطأ عندما يتكرر مرارا يفقد تسميته الأولى لتصبح له تسمية جديدة هي اختيار، وهو بالمعنى انه قرار الفرد مما يراه أمامه من خيارات متاحة. فالاختيار لك والخيارات أمامك متاحة، وانت من يقرر أي طريق ستسلك.
تكرار الاساءة الى الغير لا يساوى ابدا بكبوة جواد او عثرة ما، انه بالطبع اختيار فالصفح مطلوب لزلة لسان او حتى خطأ، ولو كان متعمدا، لمرة واحدة، ولكن إن تكرر الامر فالتجاهل وعدم الرد والتغافل وترك المسيء لينتشي وينتشي بتكرار الاساءة، ليتوهم قوة شخصه بسبب مجون عقله او علة في نفسه او شر في قلبه يعميه، ليستمتع بقلة إدراكه وسوء خلقه امر غير مقبول، كما انك ان كنت تكترث لأمر هذا المسيء وأردت له خيرا فلتكن شديدا عليه، وبعيدا عن المجاملة، على أن تكون العملية برفق وبالتدريج حتى لا تصل معه إلى الجفاء، ولا تستغرب ذكر الرفق مع الشدة، فالحكمة لمن يمتلكها هي السبيل.
واعلم انك لم تجانب الصواب بذلك لأنك قد ردعته وحتما نفعته ونفعت غيرك، أما إن كان لديك ما يشغلك عن ذلك ولم تكترث للأمر فإياك ان تساوي بين الطيب والخبيث، لأنك ان فعلت ذلك تكون خالفت الفطرة وساويت الخير بالشر، وان وقعت بالحيرة اترك الأمر ولا تحكم عليه؛ فقط اتركه اما لصاحب الأمر او لرب العالمين، وإن سألوك من هو المحسن ومن هو المسيء فاعتذر، فلن يزيدك هذا الا التقدير والاحترام.

اضافة اعلان