المحكمة العليا تصادق على ما تريده السلطات

هآرتس

بقلم: عمير فوكس

اضافة اعلان

الخطة الجديدة لافري جلعاد تناولت في الأسبوع الماضي مسألة محاربة (المقاومة) في غزة. بين المحادثات مع المستمعين وصف جلعاد قضية مبعدي حماس في بداية التسعينيات. حسب رواية جلعاد: الـ 400 مبعد من حماس تم ابعادهم الى لبنان. و"تمت اعادتهم إلى إسرائيل من قبل المحكمة العليا". وبعد ذلك اصبحوا زعماء (عنف).
قبل كل شيء اليكم الحقيقة: عندما كان المبعدون ما زالوا في اسرائيل، في الباصات، صادقت المحكمة العليا على الطرد في حكم صدر بالاجماع. بما في ذلك من قبل رئيس المحكمة العليا في حينه مئير شمغار والقاضي اهارون براك الذي اصبح بعد ذلك رئيس المحكمة العليا. المحكمة العليا لم تقم باعادتهم، بالعكس، لقد تم طردهم وبقوا في لبنان. عدد منهم عادوا الى مناطق السلطة بموافقة حكومة اسرائيل، وعدد آخر اصبحوا قادة في الشتات. حتى الآن هناك نقاش في الاوساط الامنية فيما اذا كان الطرد قد أضر أكثر مما أفاد، لكن هذا ليس هو موضوعنا الآن. الحقيقة هي أن المحكمة العليا لم تمنع الطرد قبل حدوثه، وبالتأكيد لم تقم باعادة المبعدين بعد أن تم ابعادهم.
كل واحد يمكنه أن يرتكب اخطاء ببث مباشر، ولكن هذا الخطأ يعكس وعي كاذب، يقوله السياسيون، قادة الرأي العام ومعاهد البحث وغيرها. الذي يقول إن المحكمة العليا "تقيد أيدي السلطات" في محاربتها (للعنف) هم يفعلون ذلك في محاولة لتبرير الاضرار بصلاحياتها. ولكن صورة الواقع معكوسة: في اغلب الحالات – فعليا تقريبا دائما – المحكمة العليا تصادق على الوسائل التي تريد السلطات استخدامها في محاربتها (العنف).
استعراض قصير حول ما جرى في المحكمة بخصوص الوسائل الاستثنائية لمحاربة (العنف) يظهر نتائج "مفاجئة". المحكمة صادقت في ظروف معينة على سياسة التصفيات المركزة، التي هي أمر غير مفهوم بحد ذاته في دولة قانون. في قرارها بما سمي "قرار المحكمة العليا للتعذيب" – خلف البلاغة التي ترفض سياسة استخدام القوة في التحقيق وتمنع بصورة مطلقة ذلك، اختفت ثغرة حولت القرار حسب اقوال كبار ضباط الشباك، إلى "قرار محكمة عليا بالسماح بالتعذيب". كل ذلك لأن المحكمة العليا حددت حالات معينة (قنبلة موقوتة) فيها يعتبر استخدام القوة الجسدية كشرط لـ "الدفاع الضروري" ولا يكون بالامكان تقديم المحقق لمحاكمة جنائية. الثغرة الصغيرة هذه وسعت بعد ذلك لتصبح سياسة كاملة من "التحقيقات الضرورية" التي حصلت في النهاية على المصادقة في قرار الحكم الذي صدر قبل سنتين تقريبا.
هكذا ايضا بالنسبة للوسائل الاخرى. المحكمة العليا لم توافق في أي يوم على التماسات ادعت أن هدم البيوت ممنوع لكونه عقوبة جماعية. وكذلك لم تقيد سياسة الاعتقال الإداري. قبل سنة تقريبا صادقت المحكمة على سياسة اطلاق نار القناصة على "محرضين رئيسيين" في المظاهرات على حدود قطاع غزة.
في المحكمة العليا التي تناولت "تعليمات الساعة" التي تمنع جمع شمل العائلات الفلسطينية مع ازواجهم من مناطق السلطة، تبنت الاغلبية في المحكمة العليا التبرير الامني الذي طرحته الدولة. ولكن هذا التبرير لا يقنع حتى مهاجمي المحكمة الذين يقولون إنه كان يجب عليها أن تطرح بمبادرة منها الادعاء الديمغرافي من اجل تبرير تعليمات الساعة – وهو ادعاء حتى الدولة لم تطرحه.
الكثير من هذه الأحكام تعرض لانتقاد شديد من منظمات حقوق الإنسان ورجال قانون. لأن المحكمة تتساوق مع ادعاءات أمنية تقريبا بصورة تلقائية دون التشكيك فيها. هذا الانتقاد احيانا مبرر واحيانا مبالغ فيه، لكنه يظهر التناقض بين الواقع الموهوم الذي يحاولون اعطاءه للمحكمة في حملة نزع الشرعية لها وبين ما يحدث في الواقع.
يوجد لسلطات الأمن في إسرائيل صلاحيات متنوعة واسعة، واحيانا غير مسبوقة. مفهوم أنه احيانا في حالات معينة، المحكمة العليا تمنع استخدام وسائل معينة (حتى بصورة محددة منعت أمر يتعلق بواجب احضار متهم أمام قاض). إذا كان من ينتقدون المحكمة يقولون إنه ايضا حتى في هذه الحالات لا توجد لها صلاحيات للقيام بذلك، فانه لا يوجد أي تبرير لوجودها. حيث أنه اذا كانت المحكمة العليا يمكنها أن تكون فقط خاتما مطاطيا للمصادقة على كل ما تفعله السلطات الامنية، فلماذا هي موجودة؟.
نحن مضطرون الى محاربة الواقع الموهوم هذا – سواء كان يقوم على الاكاذيب أو على الاخطاء. الحقيقة هي أنه عندما يمثل أمام المحكمة من لديهم صلاحيات من قبل سلطات الامن من اجل تأييد حاجة أمنية مهمة – هي توافق تقريبا دائما على موقفهم ولا تقيد أيديهم.