المحكمة العليا: لم يثبت وجود قومية إسرائيلية

رويتل حوفيل -هارتس
رفضت المحكمة العليا طلب مجموعة إسرائيلية أن تعلن بقرار حكم أنهم أبناء قومية إسرائيلية، وأن تقضي بـ"أنه سيكون من الممكن تغيير تفاصيل القومية في سجل السكان من "يهودي" إلى "إسرائيلي". ونبّه القضاة إلى أن هذه ليست في الحقيقة قضية تلائم مداولة في المحكمة، لكنهم قضوا بأنها قابلة للتحاكم. وكان تعليل رفض الاستئناف أنه لم يثبت اليوم ايضا، كما في حالة مشابهة رُفعت إلى المحكمة العليا قبل اربعين سنة، وجود قومية إسرائيلية. إن قرار رئيس العليا، آشر غرونس، والقاضيين عوزي فوغلمان وحنان ملتسر، يرفض الاستئناف الذي رفعه المستأنفون على قرار قاضي المحكمة اللوائية في تل ابيب الذي أصبح اليوم قاضي العليا نوعام سولبرغ الذي رفض طلبهم في 2008.اضافة اعلان
"لا أهمية لأجل تغيير تسجيل القومية، لمشاعر من يطلب تغيير التسجيل وتصوراته، بل لتعليمات القانون والتعريفات المقبولة للقومية"، كتب القاضي ملتسر. وأكد مع ذلك أنه "قد تنشأ في المستقبل الحاجة إلى اجراء تغييرات ما في التشريع في الجملة، وربما يمكن في اطارها الاعتراف بقومية "محلية" ما تنشأ على مر السنين".
إن المستأنف المركزي هو البروفيسور عوزي اورنين وهو عالم لغة يقوم بنضال عنيد لفصل الدين عن الدولة منذ سنوات، وانشأ لأجل ذلك جمعية "أنا إسرائيلي". وقد ولد اورنين ابن التسعين في تل ابيب وترعرع فيها. وحارب في فترة الانتداب البريطاني في الايتسل وفي سنة 1944 نُفي إلى اريتريا على أثر وشاية نُقلت إلى السلطة البريطانية. وعندما عاد إلى البلاد في 1948 سُجل في أول احصاء للسكان وحرص على ألا يُسجل في خانتي الديانة والقومية كلمة "يهودي". فكتب في خانة الديانة أنه بلا دين، وكتب في خانة القومية أنه عبري. وفي تلك الايام قبلت وزارة الداخلية ذلك من دون أن تسأل اسئلة كثيرة.
وفي سنة 2000 توجه اورنين إلى وزارة الداخلية وطلب أن يُسجل إسرائيليا، لكن طلبه رُفض وكذلك أيضا إجراءات قضائية كثيرة قدمها في هذا الشأن. وفي نهاية 2003 بدأ اورنين نضالا قضائيا لتغيير تسجيل مادة القومية بشأنه. فرفع أولا مع مستأنفين آخرين استئنافا إلى المحكمة العليا تم محوه بتوصية من القضاة. وفي 2007 رفع اورنين استئنافا جديدا إلى المحكمة اللوائية في تل ابيب مع أوري افنيري وشولاميت ألوني والبروفيسور ايتمار بن زوهر، والبروفيسور يوسف أغاسي وزوجته يهوديت بوبر أغاسي، والمطرب ألون اولارتشيك، والمسرحي يهوشع سوبول، وعادل قعدان ومواطنين آخرين غير مسجلين بأنهم يهود. وقضى القاضي سولبرغ في قراره بأنه يوجد "للتصريح المطلوب صبغة عامة ايديولوجية واجتماعية وتاريخية وسياسية، لكنها ليست قضائية. فليس الحديث عن مسألة تقنية تتعلق بالتسجيل في سجل السكان، بل الحديث في واقع الامر عن طلب أن تقضي المحكمة بأنه قد صيغت في دولة إسرائيل قومية جديدة مشتركة بين جميع سكانها ومواطنيها وهي القومية الإسرائيلية". وأضاف سولبرغ أن "هذه القضية هي مسألة سياسية قومية اجتماعية وليست المحكمة مكان بتها"، بل التشريع يفعل ذلك.
وقد زعموا في الاستئناف الذي رفعوه أن القومية الإسرائيلية نشأت مع انشاء الدولة، وأن نفي وجود القومية الإسرائيلية يشبه نفي وجود دولة إسرائيل دولة ذات سيادة ديمقراطية. وأضافوا أن الحديث عن شأن قضائي لا تستطيع المحكمة التخلي عن البت فيه. وفي مقابل ذلك أيدت وزارة الداخلية والمستشار القانوني للحكومة حكم المحكمة اللوائية، وزعم أن الحديث عن قضية غير قابلة للتقاضي.
في الحكم الذي نُشر اليوم (امس) ذُكرت حالات كثيرة لوقائع رُفعت إلى المحكمة العليا تناولت هذه القضية. ففي استئناف رُفع إلى المحكمة العليا في سنة 1969 تم بحث حالة سُجل فيها في خانة القومية لأبناء المستأنف أنهم "يهود"، رغم أن أباهم طلب أن يُسجلهم بأنهم بلا قومية. وقضت المحكمة العليا بأن التسجيل لم يتم بمقتضى القانون، لأن موظف التسجيل لم يكن مخولا بفعل ذلك خلافا لتصريح المستأنف.
وكانت الواقعة المركزية التي اعتمد القضاة عليها هي قصة الدكتور جورج تيمرن، الذي هاجر إلى البلاد في سنة 1949 من يوغوسلافيا وسُجل في سجل السكان بأنه "يهودي" في خانة القومية و"بلا دين" في خانة الديانة. وفي 1970 على أثر تعديل قانون كان يقضي بأنه ينبغي عدم التسجيل "يهوديا" في خانة القومية أو الديانة لمن لا ينطبق عليه تعريف "يهودي" بحسب قانون العودة، توجه إلى المحكمة كي يغير تفصيل القومية إلى "إسرائيلي".
وفي 1972 رفضت المحكمة اللوائية في تل ابيب الطلب، وكذلك ايضا تشكيل من ثلاثة قضاة برئاسة رئيس المحكمة العليا آنذاك شمعون أغرينات. وتقرر آنذاك أنه يُحتاج لاعلان أن انسانا ينتمي إلى قومية مجهولة إلى برهان على أن تلك القومية موجودة. وقضى الرئيس اغرينات بأنه "لا معنى لامتحان الشعور الذاتي لانسان في ما يتعلق بانتمائه إلى قومية مجهولة، من دون أن يمكن أن يُحدد بحسب معايير ما أن تلك القومية موجودة حقا".
وقال اغرينات ايضا إنه لم يثبت أنه قد تشكلت في دولة إسرائيل قومية إسرائيلية مستقلة مميزة عن القومية اليهودية. وألغى اغرينات المؤلفات الاكاديمية والبحوث التي وجه إليها تيمرن لدعم دعاواه، التي تناولت تفضيل اشخاص في المجتمع الإسرائيلي المجدد هويتهم الإسرائيلية على هويتهم اليهودية. وزعم أنهم لا يشهدون بالضرورة على عدم وجود مشايعة للقومية اليهودية.
وذكر القاضي ملتسر أن الاستنتاج في قرار الحكم في قضية تيمرن الذي قال "إنه لم يثبت قضائيا أنه توجد "قومية إسرائيلية" وإنه من غير المناسب تشجيع نشوء "شظايا" قومية جديدة". ما زالت قوته معه. واختتم كلامه بقوله: "إنه في هذا الوقت ما زالت الجنسية في جهة والقومية في جهة في الوضع القضائي المعمول به. وما دام الحديث عن أبناء القوميات المختلفة الذين يعيشون في إسرائيل فلا مكان في هذه المرحلة "لتوحيد" القوميات المنفصلة والجمع بينها قضائيا في "قومية إسرائيلية" جديدة عامة لأن هذا الامر يخالف الصبغة اليهودية للدولة وصبغتها الديمقراطية ايضا (في ما يتعلق بجميع القوميات الموجودة في بلدنا ومنها القومية اليهودية)".
كان قاضي العليا ألفرد فيتكون شاذا في الوقائع التي ذُكرت. فقد عبر في أحد الاستئنافات ذات الصلة بهذا الموضوع عن امتعاضه من رفع قضايا قيمية في مجال القومية إلى المحكمة ودعا الحكومة "الى أن تبادر إلى سن قانون يلغي الحاجة إلى تسجيل هذه المعلومة التي لا حاجة إليها". "يبدو بعد مرور بضعة عقود من التباحث حول أمر القومية أن الصورة لم تتغير. وها هو ذا يبلغنا اختلافا يتعلق بتسجيل أمر القومية في سجل السكان"، كتب القاضي فوغلمان. وبحسب أقضية اخرى مكّنت مواطنين حتى في سبعينيات القرن الماضي (ومكّنت الأديب يورام كانيوك في 2011 ايضا) من أن يُسجلوا بأنهم بلا دين ويتركوا خانة القومية فارغة، اقترح فوغلمان على اورنين وشركائه الايديولوجيين فعل ذلك.
قضى القاضيان فوغلمان وملتسر بأن المحكمة ليست هي المكان الطبيعي لمباحثات تتعلق بالعلاقة بين الهوية الدينية والهوية القومية، لكن هذا الامر قابل للتقاضي. وأوضح القاضيان أن سبب الرفض هو عدم البرهنة على وجود قومية إسرائيلية. "لا يستطيع رفض الاستئناف أن ينتقص من النضال المبدئي للمستأنفين ومن تصوراتهم الشخصية ومن الجدل الذي سيستمر في الصعيد العام"، أضاف فوغلمان.
وقد عبر اورنين عن خيبة أمل كبيرة من قرار الحكم، "إن المحكمة بقضائها تقبل بالفعل التجاهل الكامل للالتزامات التي يشتمل عليها اعلان الاستقلال الذي وعد بالمساواة الكاملة بين جميع المواطنين في الدولة من دون فرق في الدين والعنصر والجنس"، قال، "ويتجاهل الاجماع السلطوي الذي نشأ وجود القومية الإسرائيلية التي نشأت مع اعلان الاستقلال. وهذا الاجماع يُمكّن الكثرة اليهودية من أن تسيطر وحدها على البلاد وألا تعمل لمصلحة مواطني إسرائيل، بل لمصلحة الكثرة السياسية الحالية بين اليهود. وهذه الكثرة معنية باستعمال موارد البلاد والطاقة الكامنة فيها لصالح اليهود فقط وهي تفعل كل شيء لمنع دولة إسرائيل من اقامة مساواة في الحقوق السياسية والاجتماعية كاملة".
وعبر اورنين عن خشية من أن يخدم رفض الاستئناف "موقف الحلقات القومية الحاكمة التي أعلنت بأن إسرائيل دولة الشعب اليهودي مع تجاهل لكون اليهود في العالم كله مواطنين مخلصين للدول التي يسكنونها".