المخرجة نجوى النجار لـ"الغد": السينما الفلسطينية تحفظ الإرث للأجيال المقبلة

figuur-i
figuur-i

إسراء الردايدة

القاهرة- "لأن السينما نوع من الحديث الخاص التي تروي قصة، وأنا أسعى لرواية قصص من فلسطين، فإن السينما الفلسطينية اليوم هي وسيلة لتوثيق وتأريخ ما يحاول الاحتلال أن يمحوه"، هكذا هي صناعة الفيلم بالنسبة للمخرجة الفلسطينية نجوى النجار.
النجار التي أنجزت ثالث فيلم روائي لها "بين الجنة والأرض"، وهو إنتاج أردني فلسطيني لوكسبورجي آيسلندي مشترك، نال مؤخرا جائزة نجيب محفوظ لأحسن سيناريو، ضمن منافسات المسابقة الدولية لـ مهرجان القاهرة السينمائي بدورته الـ41، تقول في مقابلة أجرتها "الغد" معها خلال تواجدها في "القاهرة السينمائي": "إن السينما الفلسطينية اليوم حافظة لإرث الأجيال المقبلة، لذا يجب دعمها وتنمتيها فهي سلاح قوي في ظل الظروف الحياتية الصعبة التي نعيشها في فلسطين".
المخرجة نجوى النجار التي بدأت مسيرتها الإخراجية العام 1999 بفيلم "نعيم ووديعة"، وأتبعتها بعدد من الأفلام التي حصلت على جوائز في العديد من المهرجانات، مثل "عيون الحرامية"، و"المر والرمان"، تعتبر نفسها مخرجة ملتزمة تؤمن أن السينما تحمل مسؤولية ورسالة، وهي بالنسبة لها "سلاح أخير" تمتلكه لتصور ما تريد وتوثق ما يسعى المحتل لتضليله، ومحوه من الوجود، لأن اللغة البصرية في السينما قادرة على سرد كل ما لا يمكن للكلمات وصفه والتحدث به.
"بين الجنة والأرض".. رحلة اكتشاف وبحث
الفيلم الذي كان أول عرض عالمي له في مهرجان القاهرة السينمائي، يروي قصة حب أخرى تحكيها النجار من وحي قصة حقيقية، وينتمي لأفلام الطريق Road movie، عن زوجين من الطبقة المتوسطة.
الزوجان سلمى "منى حوا" وتامر "فراس نصار" تزوجا منذ خمس سنوات ويعيشان في الأراضي الفلسطينية، وعلى وشك الانفصال، إلا أنهما يواجهان مشكلة الحصول على تصريح لتامر لدخول أراض يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي لتقديم أوراق طلاقه من سلمى في المحكمة بالناصرة، ليفاجأ باكتشاف يمثل له صدمة عن ماضي والده.
وتنتقل النجار بفريق عملها ما بين الناصرة ومدن فلسطينية في صور ومشاهد جميلة جدا تكشف روعة المدن الفلسطينية التي سلبها الاحتلال بين حيفا والضفة الغربية من خلال الطرق المنسية التي يقطعها الزوجان وصولا لهضبة الجولان، تكشف من خلال كاميرتها عن حياة المهمشين والاحتلال هناك. فيلم النجار يحكي عن الطلاق بشكل أوسع، فالانفصال والطلاق ليسا مرتبطين بالزواج بل بالأرض والوطن، ويشملان الابتعاد عن مكان يحبه الفرد، فهو طلاق روحي ونفسي أكثر منه على الورق أو قضية تنتهي بالمحكمة، في إشارة للاحتلال والارتباط الفلسطيني بالجذور والأرض والهوية نفسها التي دفعتها لإنجاز هذا الفيلم.
وبحسب النجار، فإن القصة التي بنت من خلالها شخصية تامر من وحي قصة حقيقية تعاملت مع أبناء الشهداء، وكيف عاشوا حياتهم بعد اغتيال الاحتلال لهم، وهي تطرح قضية في الوقت ذاته لما يمارسه الاحتلال من تعسف لاغتيال الشخصيات والأسماء الفلطسينية البارزة من سياسيين ومثقفين ومناضلين في كل مكان، وكيف تنقلب حياة أسرهم رأسا على عقب داخل وخارج فلسطين. الفيلم يضع المشاهد في طرق بحث نفسية وجسدية من خلال المسارات التي يدخلها بين قرى منسية، مدن محتلة، هوية ضائعة، وهنا يظهر معنى الطلاق الذي تقصده النجار، متنقلة بين الماضي والحاضر والتاريخ والهوية التي كانت ترتبط بالديانات الثلاث سابقا، وتحولت لقضية سياسية وواقع احتلال بشع وأرض مسلوبة، وسكان مهجرين، وهوية يريد المحتل طمسها بأي وسيلة.
قصة شخصية وسياق سياسي
الطلاق بين تامر ولمى يتبلور بسرعة في قضية تقسيم الأصول من خلال عبور الحدود التي فرضها الاحتلال في فلسطين، في ثلاثة أيام هي مدة التصريح الذي منحه الاحتلال لتامر، ولكن القضية تكبر في ظل تكشف حقائق عن والده الذي اغتيل وهو كاتب وناشط مشهور.
النجار أرادت تقديم شخصيات فلسطينية عانت الضرر الذي سببه المحتل، وفيلما يعكس تجريد الإنسان من إنسانيته حين يتعرض لمثل تلك المواقف، ولكنه يبقى على الحب الذي هو جوهر إنسانيته، رغم أحلك الظروف وأصعبها، في إشارة منها للنضال الفلسطيني المستمر حتى اليوم.
وكشفت النجار عن وقائع وجرائم الاحتلال من خلال فضائح إسرائيلية واقعية ومررتها بالفيلم مثل اختطاف آلاف الأطفال المولودين من مهاجرين يهود عرب، وأعطوهم لليهود الأكيناز في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، والتي تشمل نحو 8000 طفل قاموا بأخذهم، بحسب النجار.
قرى فلسطينية قبل النكبة والقبض على طاقم الفيلم
بما أن الفيلم في غالبيته رحلة على الطريق لاكتشاف الحقيقة وإيجاد حل، هو أيضا رحلة اكتشاف تاريخي لقرى فلسطينية كانت موجودة قبل العام 1948، والتي عثرت عليها النجار عبر تطبيق iNakba، ووصلت من خلاله لقرية "إقبال" التي وجدت بها شبابا يطلق عليهم "الأوصياء"، يعملون على حراسة القرية.
وجاء بناء شخصيات فيلم النجار من خلال مقابلاتها مع هؤلاء الشباب وجمعت بين عناصر رحلة الطريق وروح المقاومة لهم، وتحدثت عن حالة الانقسام التي يعيشها الفلسطينيون الذين يعيشون على جانبي الخط الأخضر منذ العام 1948، الى جانب قصص سمعتها من تجارب الأصدقاء من حولها، ويعيشون بين الضفة الغربية ومناطق الاحتلال، بحسبها.
وواجهت النجار صعوبات كثيرة منها؛ جلب أذونات تصوير للفيلم ومنعهم من التصوير في مناطق أخرى؛ حيث تعرض أربعة من طاقم العمل للسجن بسبب مزاجية قوات الاحتلال، وإدراكهم لقوة وتأثير الفن، وهو ما جعلهم يضيقون الخناق ضمن عملية التصوير، فاضطروا لاختصار وقت التصوير نظرا لضيق الميزانية.
وأنتج الفيلم هاني القرط زوج النجار الذي قدم معها الأفلام الروائية الثلاثة، التي ارتكزت على القضية والهوية الفلسطينية؛ حيث جرى تعاون بين الفريق نفسه الذي عملت معه منذ "المر والرمان"، بجهود تكاملية للكل، وهو شريكها، لأنه يملك بحسبها "نظرة تقييمية مختلفة تزن الأمور، وعينا ثاقبة تجعل حكمه صائبا بخياراته التي تثق بها.
الموسيقى هوية والإنتاج العربي المشترك حيوي
والنجار التي تميل لسينما المؤلف اليوم، تعتبر نفسها مخرجة فلسطينية أردنية تعيش في الوطن العربي، "وروحها تنتمي لبلاد الشام"، ترى في الفن رسالة حيوية وإنسانية وصوتا للحفاظ على الإرث والهوية.
فيلم النجار لا يخلو من الموسيقى والأصوات العذبة التي جعلت من الفيلم رحلة ممتعة لمشاهده، غني بالمشاعر والحنين لأصوات تعبر عن حالة الفقد والتيه من مجموعة مختارة من الموسيقى العربية المعاصرة، منها قرية "الرصيف" في رام الله وفرقة "توت أرض" التي تنتمي للروك الجبلي من المرتفعات الجولانية، وأيضا صوت المطربة المصرية البريطانية نتاشا أطلس، والجزائرية سعاد ماسي، وهو ما يمثل تعاونا عربيا مشتركا.
وتقدر النجار الإنتاج العربي المشترك، إلا أن تحقيقه صعب جدا في فلسطين، بسبب الاحتلال وظروف الحصول على تراخيص تصوير وأذونات وتصاريح دخول، وفيلمها هذا إنتاج فلسطيني أردني مشترك، بسبب دعم الأصدقاء لها، وإن لم يكن يحمل أي جانب مادي، إلا أن الدعم المعنوي مهم جدا، بحسبها، لأنها تعيش بين البلدين، وتقضي وقتا كثيرا هنا وهناك، وأردات تصوير الكثير من المشاهد في الأردن، إلا أن طبيعة القصة وحساسيتها حتمت أن تصور بالكامل في مدن فلسطينية.
وعلى مدى ساعة ونصف، يأتي "بين الجنة والأرض".. ليحكي كل ما يدور في فلسطينن وحياتها برحلة مليئة بالحنين والألم والتساؤلات والشغف الذي لن يقدر الاحتلال على محوه أبدا.

اضافة اعلان