المخيال الجمعي وقضية الدخان

المخيال الجمعي Collective Imagination مصطلح يستخدم للاشارة الى ما ينتجه العقل من صور وافكار في غياب المحسوسات، وهو احد المكنات التي تميز بها الانسان عن سائر المخلوقات. في الاسبوع الماضي كان المخيال الجمعي الأردني في أوج نشاطه وقد جاء ذلك في اعقاب اصدار قائمة التهم لعدد من الاشخاص بقضية الدخان بعد ان اشغلت الراي العام طوال الاشهر الاولى من عمر الحكومة الحالية. اضافة اعلان
في المخيال الشعبي الأردني هناك ترحيب حذر بالاجراءات التي اتخذت من قبل اجهزة العدالة واحساسا غير متيقن بإمكانية ان يكون ذلك بداية لتفعيل السياسات الداعية لكسر ظهر الفساد ومحاصرة الفاسدين. وبنفس الدرجة يعتقد البعض ان الاجراء جاء متاخرا وانتقائيا ومحدودا.
نشاط المخيال الجمعي جاء نتيجة لتأخر الظهور للرواية الرسمية المتكاملة حول الجريمة التي هزت مشاعرهم واثارت شكوكهم فقد كانوا ينتظرون رواية تحكي لهم قصة تصنيع الدخان وكيفية تحوله الى نشاط جرمي، فالرأي العام يحتاج الى قصة تروي له الاحداث فيقرر تصديقها او رفضها وبناء روايته الخاصة. وكما في كل الروايات لا بد ان يعرف المتلقي بداية الرواية وتطورها وتاريخها وابطالها ورعاتها واموالها والمدافعين عنها والمستفيدين منها.
مع كل أسف لم تنجح مؤسساتنا في تقديم رواية متماسكة الامر الذي دفع بالجمهور لتشكيل روايتهم مستخدمين شذرات المعلومات التي رشحت بطرق مختلفة ومطلقين العنان لإحساسهم وقناعاتهم.
للرواية الشعبية اطار عام واحد وتفاصيل بنكهات واساليب متنوعة. فالجميع يتفق على وجود نقص في الرواية الرسمية لكنهم يتباينون في سد الثغرات واستكمال ما لم يرد ذكره. فهناك اختلاف على بدايات النشاط الجرمي وعدد الشركاء ومراكزهم وقوائم المتورطين تطول وتقصر حسب خيال الراوي فتارة تستمع الى رواية تضم العشرات من الاشخاص المعروفين والمؤثرين واخرى تختفي فيها اسماء وتظهر اسماء جديدة يستبعد السامع وجودها في مثل هذه النشاطات. في روايات ان الامر مدبر ومخطط وفي اخرى انه يخضع لرقابة ومتابعة عالمية.
الطريقة التي تقدم فيها المعلومات حول القضية لا تؤسس لعلاقة ثقة متبادلة مع الجمهور. فالناس يسألون عن بيانات اساسية يؤدي الحصول عليها الى تعزيز الثقة بالمؤسسات ويضع حدا للاشاعات التي تتوالد مع غياب المعلومات.
في اذهان الجميع اسئلة حول: كيف بدأ العمل بالتصنيع والانتاج؟ من الذي اجاز هذا المشروع؟ من هم الشركاء الحقيقيون؟ هل هذا النشاط مخالف للقوانين؟ وهل اكتشفت المخالفات؟ وكيف تم التعامل معها؟ من هم المتعاونون مع المشروع؟ وما هي صفاتهم؟ وهل اتخذ اي منهم اجراءات لتزوير بيانات او الادلاء بمعلومات او شهادات بما يخالف القانون؟ كيف تبدو خريطة او هيكل شبكة المتورطين؟ هل جميع من كانوا وظهروا مع المتهم ابرياء وغير عارفين بنشاطه؟ من ساعد المتهم على الخروج من البلاد قبل القبض عليه؟ من الذي كان يقدم بيانات شركاته لضريبة الدخل؟ هل قدم شركاء المتهم الاوائل معلومات حول شكوكهم بانه يقوم بعمل غير مشروع.. ومن هم هؤلاء الشركاء؟
في الأردن الذي عانى ويعاني مواطنوه من الازمات المتتالية ونقص الموارد وتقلص حجم المعونات والمساعدات تبرز الحاجة الى الاعتماد على الذات وتشديد الرقابة على الانفاق والحد من الممارسات التي تضر بسمعة الدولة وتؤدي الى العبث وخرق تشريعاتها وتدمير اقتصادها.
من غير الممكن ان تنجح الحكومة على المسرح الدولي والاقليمي ما لم تحترم عقل مواطنها وحقه في المعرفة وتحرص على توفير سبل العيش في بيئة آمنة مستقرة يمارس فيها المواطن حقه في المشاركة والنشاط والخدمة والاستمتاع.