"المخيبة".. يا خيبتنا!

على رقعة صغيرة عند أقصى الحدود الشمالية الغربية للوطن، تقبع بلدة المخيبة، أو ما يعرف بـ"الحمة الفوقا"، في فقر وجوع يفتكان بآلاف الأسر التي لا تملك حتى حق الشكوى!اضافة اعلان
الصورة الموجعة لكل من لديه قلب ينبض ولو بأقل المشاعر، والتي رسمتها مندوبة "الغد" في تلك المنطقة، الزميلة علا عبداللطيف، تحكي لنا قصة قصور وغياب تنسيق واهتمام، تجسدها أدوات تقليدية بالية في معالجة مشكلات المجتمعات النائية المهمشة.
الشكوى لا تتوقف، فيما حجم الألم يزداد بمرور الوقت. وتعقّد المشكلات يتفاقم بقدر غياب المسؤولين عن التصدي لها. هكذا، تبدو بلا نهاية القصص المؤلمة التي سردتها الزميلة عبداللطيف في تحقيقها عن المنطقة؛ فأحوال العائلات هناك متشابهة، لا مخرج منها إلا بترك المخيبة، وهو ما يبدو متاحاً لأقل القلة، فيما تواصل أغلبية سكان البلدة غرقها في المعاناة والبؤس.
عدد ليس بالقليل أبداً، يبلغ 7000 نسمة يسكنون بالقرب من ثروة وطنية، هي مياه الحمة المعروفة بفوائدها الطبية، وبما يُفترض أن يؤهل المنطقة لأن تكون قصة نجاح تنموي. إلا أن غياب التخطيط والاهتمام ساقها إلى مزيد من المشاكل التي تتفاقم يوما بعد يوم، فصار لـ"المخيبة" من اسمها نصيب! إذ فيها خيبة أمل لسكانها من كل المسؤولين، وقد صارت بلدتهم من أشد المناطق فقرا في الشمال.
الفرص الاستثمارية ليست نادرة هناك، بل نواتها موجودة، تتمثل باستراحات شعبية أنشأها سكان محليون، ويقترب عددها من أربعين استراحة، بعضها غير مرخص. فالمكان مؤهل ليكون نقطة جذب سياحي، إذ يشهد زيارة سياح يزيد عددهم على 17 ألفا مع نهاية الأسبوع. بيد أن مشكلة السكان اتسعت بدلا من أن تتقلص، نتيجة قرار إغلاق منتجع الحمة الأردنية، ما ساهم في تفشي الفقر وارتفاع البطالة أساساً بين صفوف الشباب، ناهيك عن المشاكل الأخرى.
أسباب هذا الواقع القاسي واضحة. يبدو أساسها في غياب التفكير التنموي الحقيقي، ما أدى بالنتيجة إلى غياب التنسيق بين الجهات المختلفة، إضافة إلى غياب الاستثمار. ولتكون النتيجة جعلَ المخيبة بمثابة "منطقة منكوبة" بكل الأمراض الاجتماعية والاقتصادية.
والمخيبة بذلك تجسد قصة فشل لكل الحكومات، وتمثل عنواناً عريضاً للإخفاق في إحداث التنمية. فالأرضية متوافرة، تقوم على هِبَة من الطبيعة تجذب الزوار والسياح، ولا يبقى بعد ذلك إلا تخطيط سليم ينقذ المنطقة من فقرها، وضمن ذلك مساعدة أهلها في إنشاء استراحات سياحية.
الأمر يحتاج إلى تعاون من مختلف الجهات الرسمية؛ ولا سيما تلك التي تخطط وتمول، لأن المجتمع المحلي وعلى قلة معرفته وخبرته في أساليب العمل السياحي والتنموي، اعتمد على نفسه وأسس بعضا من المشاريع. قليل من العون والأفكار كفيل بخلق جملة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة على أسس سليمة مستدامة، تحسّن مستوى الخدمات هناك، وتوفّر فرص العمل لأبناء المجتمع المحلي.
إقامة استراحات تشغّل أبناء المخيبة، بعد تدريبهم وتأهيلهم، تساعد بالتأكيد في جعل المنطقة قصة نجاح، بدل كونها الآن قصة خيبةٍ وألم. فترخيص الاستراحات وتنظيم عملها والارتقاء بمستوى الخدمة هناك، والترويج لها داخلياً وخارجياً من قبل الجهات المعنية... كفيل بمضاعفة عدد الزوّار.