المدن الثقافية الأردنية

احتفلنا قبل يومين بإطلاق فعاليات "الرمثا مدينة للثقافة الأردنية"، وهو المشروع الذي انطلق في العام 2007 ، وضم حتى اليوم اثنتي عشرة مدينة أردنية.
برأيي، لا يمكن التفكير بأفضل من هذا المشروع من أجل إقامة بنية تحتية وفوقية في المحافظات التي عاشت على الدوام تهميشاً كبيراً في الفعل الثقافي وفي الفعاليات، لمصلحة تخمة غير مبررة في المركز، خصوصا أن كثيرا من الفعاليات لا يتابعها جمهور.اضافة اعلان
تتحدد أهمية هذا المشروع، إذاً، في كونه يخرج من إطار العاصمة باتجاه المحافظات الأقل رعاية، بما يمثّل نوعا من العدالة الثقافية، ويحاول تعريض الجمهور فيها لتجارب وخبرات جديدة، قد تؤسس لتغيّر مجتمعي حقيقي، في ظل انعدام الخيارات أمام آلاف الشباب للتعبير عن أنفسهم.
لكن الأهمية لا تقف عند هذه النقطة، بل تتعداها نحو حقيقة أن الثقافة هي الحصن الأخير الذي يمكن الالتجاء إليه في وجه عالم يصبح أقل تسامحا، وأكثر تطرفا، بما في ذلك التخندق خلف هويات فرعية ضيقة وإلغاء ما سواها، وصولا إلى تفشي الفكر والفعل الإرهابيين اللذين رأينا تجلياتهما البشعة في منطقتنا خلال العقد الماضي.
لقد رأينا خطورة تغييب الخيارات أمام الشبان العرب، ومن ضمنهم الأردنيون، وكيف كان الكثير منهم صيدا سهلا لتنظيمات إرهابية مثل "داعش" وغيرها، التي استغلت العاطفة الدينية لأولئك الشباب، وعدم تحصينهم بالثقافة، لتخضعهم لفكرها الشاذ، وتجعل منهم وقودا لحربها القذرة ضد العالم، بما فيها المنطقة العربية.
على الجانب الآخر للمشهد، يمثّل الانتقال إلى المحافظات تعبيرا عن الرغبة في إحقاق العدالة الثقافية بعد عقود من تمركزها في العاصمة، فمن حق سكان المحافظات القريبة والبعيدة أن يجدوا فضاءات ملائمة للتعبير عن أنفسهم من خلالها، لا أن يضطروا إلى الهجرة للعاصمة لكي يبحثوا عن فرص الظهور والنشر كما فعلت أجيال كثيرة من المبدعين الأردنيين الذين عرفوا أنهم لن يتقدموا ما داموا في مدنهم البعيدة، لذلك ارتحلوا إلى العاصمة، وقسم كبير منهم كاره لهذا الانتقال.
من هنا، يصبح السؤال عن الاستدامة، وعن الأثر محوريا لتقييم مثل هذه المشاريع، ففي نهاية اليوم نحن، بالتأكيد، لا نبحث عن احتفاليات كرنفالية جميلة تمتد في فعاليات مدة عام، ثمّ نهدم الصواوين ونغادر من دون أن نترك في تلك المدن ما يمكث في الأرض وينفع الناس.
قيمة هذه المشروعات تتمثل بالتأسيس لفعل ثقافي ممتدّ ومستدام، يؤسس لوعي حقيقي بأهمية الثقافة ومحوريتها في حياة المجتمعات، وضرورة إيجاد فضاءات عديدة يعبر فيه الأشخاص عن ذواتهم، من دون أن يكونوا مضطرين للنزوح من مكان سكناهم.