المدينة الجديدة – إطار عمل واضح أم مجرد وعد ضبابي؟

324880979_541348564693753_2552088286768727351_n
324880979_541348564693753_2552088286768727351_n

م. سائد سند حدادين

يلعب الاقتصاد الحضري والتطوير العقاري دورا مهما في جعل المدن أكثر جاذبية من خلال البحث والتخطيط وتحليل البيانات.

اضافة اعلان

بلغت حصة المدن من إجمالي الناتج العالمي 70 % تقريبا وهذا يؤكد أن المدن محركات رئيسية لعملية النمو الاقتصادي، وتحقق فوائد اقتصادية كما يشير إليه مفهومي اقتصادات التكتل واقتصادات السعة بكون المدن مصدر جذب للشركات المنتجة والعمال المهرة.

وتعد عوامل الجذب والامتيازات التي تقدمها المدن للسكان من أهم أسباب التكتلات والتجمعات، كما أشار الاقتصادي البريطاني (ألفرد مارشال) أن اقتصادات التكتل تحدث لأسباب ثلاثة؛ وهي المدخلات المشتركة، وتجميع سوق العمل، وانتشار المعرفة.

محليا، وفي الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة عن خطط انشاء المدينة الجديدة بشكل مقتضب، دار جدل صحي بين المختصين وامتد ليشمل المواطنين العاديين. بين مؤيد ومتفائل وفاقد للثقة سواء بجدوى المشروع أو بآلية تطبيقه وهنا أورد بعض الملاحظات:

إن إنشاء المدن يعتمد بشكل أساسي على قطاع التطوير العقاري الذي ما يزال بحاجة لمزيد من التطوير مقارنة مع القطاع الإنشائي (المقاولات) والهندسي الذي يحتل مكانة مميزة على المستوى المحلي والإقليمي، ومن أهم الإشكاليات التي يواجهها قطاع التطوير العقاري المحلي هو اقتصار مفهوم التطوير العقاري لديها على إنشاء العمارات السكنية أو فرز الأراضي أو دون أن تكون هناك نظرة شمولية متكاملة تتضمن دراسة جدوى اقتصادية فعالة، وأكبر شاهد على هذه الإشكالية مجموعة المشاريع المتعثرة المتناثرة في محافظة العاصمة والزرقاء وإربد.

وكخطوة أولى لإنجاز مشروع المدينة الجديدة لابد من العودة وبشكل مفصل لتقييم جميع مشاريع التطوير العقاري المتعثرة وغير المنجزة لجمع الدروس المستفادة وتفادي المشكلات وقياس المخاطر بما في ذلك مراجعة الأطر التشريعية من قوانين والأنظمة والتعليمات خصوصا فيما يخص نقل الملكية وإدارة المدينة والكلف الضريبية والرسوم، الأمر الذي سيحتاج بالضرورة لحراك تشريعي دؤوب في مجلس الأمة لا بد من أن يبدأ الآن.

إن عملية التطوير العقاري يحكمها (إطار عمل) لتنظيم ما يمكن أن يكون عملية فوضوية وضبابية، بحيث يكون بمثابة دليل يحولها إلى عملية مدروسة ومنظمة وقائمة على البيانات، و(إطار العمل) هذا يشمل مراحل من الدراسة وأدوات التحليل محددة بمجموعة مخرجات تحدد الرؤية والرغبة والتوقيت والموارد والمصادر والجدوى الاقتصادية والنموذج المالي وغيرها، حيث يمكن من خلال إعداد هذه المخرجات توفير الكثير من الوقت والجهد والتكلفة وإشراك أكبر قدر ممكن من الجوانب المساهمة التي لا يمكن إغفالها ولا التعذر لاحقا عن اغفالها، فالمعلومات المقتضبة والمصرح عنها لم تغط العديد من الأسئلة المطروحة من الشارع الأردني وهذا يؤكد أن الوقت كاف لاشراكها.

من هذه الجوانب دراسة تقاطع التنظيم وأحكام البناء المخطط له مع غايات المطورين وأهداف المستثمرين المحتملين، ودراسة المكان والموقع لتحليل ودراسة الأثر البيئي والمناخ والتضاريس والموارد المائية بكل تأكيد، وبما أن الحكومة ستعمل على تمويل البنية التحتية الممكنة لفتح المجال للقطاع الخاص للاستثمار إذا لا بد من دراسة وتحليل التركيبة السكانية المستهدفة وقدرتها الشرائية، كما لا بد من دراسة السوق في كل من العاصمة عمان والزرقاء والمناطق المجاورة للوقوف على نسب الشغور والاشغال ومعدلات الأسعار للبيع والتأجير لإعداد مصفوفة العرض والطلب واللازمة جميعها لوضع استراتيجية التطوير وتحديد موقعنا ضمن دورة حياة العقار بمراحلها الأربع: التوسع ، والعرض المفرط، والركود، والتعافي، لأنه استراتيجيا لا بد أن نسعى جاهدين للبدء في التنفيذ في مقدمة مراحل الدورة والانتهاء منه عند أكبر نسبة طلب منعا للتعثر.

يبقى التساؤل لماذا لم يتم أعداد خطة موازية لإنشاء عدد صغير من المدن الحضرية الجديدة بمحاذاة مراكز بعض المحافظات بحيث يكون نموذج العمل وإطار العمل فيها على مستوى أقل حجما وتكلفة وأسرع إنجازا وأكثر تحكما وسيطرة؟ فتكون بذلك مرحلة أولى تثبت نجاعة الفكرة وقياس الأداء وإدارة المخاطر بشكل أكثر فعالية ومن ثم الانتقال لإنشاء مدينة بهذا الحجم. خصوصا أن دعم النمو الاقتصادي وتخفيف عبء الضغط السكاني على البنية التحتية يصب مباشرة في هدف تنمية المحافظات وتطويرها.

بالمحصلة، فإن إعلان فكرة المشروع قبل بداية التنفيذ بعامين أمر إيجابي، ليتم إعداد (إطار عمل) واضح وحقيقي ويستند على معلومات وبيانات تخلص المشهد من أي ضبابية، لكن في هذين العامين يفضل الابتعاد عن تصريحات عشوائية المصدر وعرض أرقام غير دقيقة ووعود غير خاضعة للمساءلة قد توهم الرأي العام وتزيد من فجوة الثقة، ليفضل عرض نتائج الدراسات والمخرجات للمواطن بشفافية مما يسهم في تكاثف الجهود لانجاحه، فالمشاريع الوطنية الضخمة تحتاج إلى قرارات مبنية على علم ومعرفة وقبول شعبي غير مشكك، مؤكدين على أهمية توصيات القيادة الهاشمية التي قد شددت سابقا على ضرورة إطلاع المواطنين على المعلومات المتعلقة بالمدينة بكل شفافية ووضوح وضمن أطر زمنية واضحة ومعلنة.

[email protected]