"المدينة" الروسية ترفع التراتيل للنبي و"راجاسان" الهندية تبوح بأوجاع الروح

"المدينة" الروسية ترفع التراتيل للنبي و"راجاسان" الهندية تبوح بأوجاع الروح
"المدينة" الروسية ترفع التراتيل للنبي و"راجاسان" الهندية تبوح بأوجاع الروح

مهرجان الغناء الصوفي يتواصل بفرقة لبنانية وأخرى هولندية

محمد جميل خضر

عمان- بوله دفين لنبي الإسلام، وتراتيل دينية عن الصلاة ورمضان وعيد الأضحى والدعاء والرجاء، أعلنت فرقة موسكو الروسية للموسيقى الروحية "المدينة" عن هويتها الجمالية وبعدها الروحي الوجداني في حفل افتتاح فعاليات الدورة الثانية (دورة القدس) من مهرجان الموسيقى والغناء الصوفي مساء أول من أمس على المسرح الرئيسي في المركز الثقافي الملكي.

اضافة اعلان

وبأصوات مليئة بدفء الإيمان، وقدرات أدائية تميزت فيها مغنيات الفرقة الأربع، وحضور هادئ مفعم بإطلالة باسمة ومحيا صبوح، غنت الفرقة المكونة من أربع مغنيات فقط، في الحفل الذي رعى افتتاحه وزير الثقافة د. صبري الربيحات، وشاركت فيه إضافة لفرقة موسكو فرقة الموسيقى الصوفية من راجاستان الهندية، للصلوات والمئذنة، وعددن أسماء النبي المصطفى (أو ياسين كما في واحدة من الأغنيات)، واستنارت أغنياتها بذكر "رسول الله". وظهر جلياً في أسلوب الفرقة ومنهجيتها ووجهتها، رمزية شخصية النبي في وعيها، وقداستها، كما عكست أغنياتها حنيناً نستولوجياً للماضي في صورته الساطعة وأنواره البهية، عندما شع نور الإسلام، وعمّت الرحمة الأرض، والبركات والهدى والنور.

وبالنظر إلى هذا النوع من الغناء بأنه شكّل مقدمة للغناء الصوفي الذي أوغل في خصوصيته مطلع القرن الثالث الهجري مع أعلام فيه مثل ابن الفارض والحلاج وابن عربي وغيرهم، فإن ما قدمته نساء جمهورية تتارستان ذات الحكم الذاتي، يمكن اعتباره مقدمة ناعمة وصورة خالية من التعقيد للغناء الصوفي الذي بلغ بعضه مراتب جريئة في التوحد من الذات الإلهية، وصار له خطابه الخاص به ومفرداته وأدبياته.

وبصورة مغايرة ظهرت فرقة الموسيقى الصوفية من راجاستان الهندية، بآلاتها الطالعة من أوجاع الروح (خصوصاً الربابة الهندية، وبأصوات مغنيها المليئة بالأنين ومحاكاة الجانب الساكن في النفس الإنسانية، وبباقي آلات الفرقة التي رغم اختلاف اللغة استطاعت أن تخلق تواصلاً ما جمهور حفل الافتتاح الذي لم تتسع له مقاعد المسرح الرئيسي وبقي جزء غير قليل منه خارج المسرح.

واشتمل حفل الافتتاح إلى ذلك، على تكريم وزير الثقافة السابق د. عادل الطويسي، ووزارة الثقافة وأمانة عمان.

وكان وزير الثقافة د. صبري الربيحات ألقى في مستهل الافتتاح كلمة رأى فيها أن "ربط الموسيقى بالتصوف يعكس حاجة ماسة للاستغراق الباطني العميق في اجتراح رؤى وتطلعات، وصياغة مفاهيم وأفكار جديدة".

وقال الربيحات في كلمته للحفل "إننا بحاجة إلى أن نتواصل معاً ومع العالم من حولنا بالموسيقى رمز المحبة والدفء وعنوان الرقي والسلام حين تنسد الآفاق، وتتعطل لغة الحوار بالألسنة لتصير من فوهات البنادق".

وربط الربيحات بين مهرجان الغناء الصوفي وبين احتفالية القدس قائلاً "عندما يجتمع عام القدس بما تختزله حجارة البلدة القديمة وما حولها من قداسة وقيم دينية عليا، وبما شهدته زواياها ومساجدها على مدى العقود الماضية من حلقات ذكر وعبادة ووصول ذرى التجلي والتعانق مع رسالة السماء، أقول عندما يجتمع ما تقدم مع مهرجان مخصص للغناء الصوفي وموسيقاه الطالعة من أعماق الروح، فإن وزارة الثقافة الأردنية لا تملك في تلك اللحظة التاريخية إلا المبادرة بدعم خالص وطالع من عمق إيمانها بأهمية القيمتين؛ قيمة القدس التي اضطلعت صخرة قبتها بمسؤولية كونها حلقة الاتصال بين الأرض والسماء، وكانت في زمن المعجزات لحظة المعراج الكبرى، وقيمة مهرجان يعلي من شأن الروح ويرتقي بالذائقة فإذا هي رهيفة الندى أثيرية التحليق شفافة الاقتراب من عمق المعنى ومن البهاء الطالع من سحر النغمات وجلاء الأصوات وحسن الأداء.

وفي كلمته لحفل الافتتاح، أكّد رئيس المنتدى الأردني للموسيقى الفنان د. أيمن تيسير مدير المهرجان، أهمية هكذا ملتقيات لتحقيق مزيد من التواصل بين البشر، وخلق فرص صحية لتبادل حوار حضاري نبيل بين الأمم والشعوب.

وذهب تيسير إلى أنهم في المنتدى الأردني للموسيقى مصرون على تقديم النمط النوعي من الموسيقى والغناء، لما يعكسه هذا النوع من صفاء وجهته، ونقاء في سريرته.

تيسير رأى كذلك أن إقامة هكذا مهرجان تتيح للمواطن الأردني فرصة التعرف على أنواع جديدة من الموسيقى والغناء، واكتشاف مساحات جديدة في آفاق التلقي لديه.

وتمنى تيسير على الوزارة أن تمنح مهرجاناً من هذا النوع صفة الاستمرارية، وربط هو الآخر بدوره بين القدس وبين المهرجان. وأوضح أن إطلاق تسمية (دورة القدس) على المهرجان الذي تتواصل فعالياته حتى مساء بعد غد، جاء احتفاء ببيت المقدس، وتذكير الناس به وبقيمته العظيمة وقدسيته القادمة من السماء، والمعبّرة عن وجدان الناس والطالعة من رسالة محبة لا تنتهي.

وتتواصل في السابعة والنصف من مساء اليوم على المسرح الرئيسي في المركز الثقافي الملكي فعاليات الدورة الثانية (دورة القدس) من مهرجان الموسيقى والغناء الصوفي. وتقدم جوقة قاديشا اللبنانية تراثها الموسيقي اللبناني والعربي، الدّيني والشّعبي الطربي، يتبعها في الأمسية نفسها عرض فرقة ترهانا الهولندية.

وتارهانا هو في الأصل اسم لحساء أناضولي تقليدي، وقيل أنه المفضل للسلاطين. يطبخها الفلاحون في البوسنة، مقدونيا والأناضول حتى تركمانستان. وكوصفة تقليدية ارتحلت في الزمن والمساحة، تغيرت بعض مكونات تارهانا، فتنقلها من شرق أوروبا إلى آسيا الوسطى أضفى عليها نكهات شرقية.