المرأة المنقذة

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
الحياة كلاجئ هي صراعٌ مستمرّ؛ أنت تكافح لتجد مأوى، لتوفر الغذاء، لتشعر بالأمان مرة ثانية، ولتحظى بحياةٍ كريمة. أما عن الفرص، فهي قليلة سواء في مخيمات اللاجئين أو في المجتمعات المضيفة. تاركين حياتهم السابقة خلفهم، يضطر اللاجئون لأن يبدؤوا من الصفر بكل معنى الكلمة، ولكنهم، ورغم الألم والغربة، ينجحون في إيجاد طريقهم مهما طال الزمن. مخلصة، ذات ال٤٤ عاماً، تشكّل مثالاً آخر عن اللاجئ الذي يتحلّى بالقوة والعزيمة بحثاً عن مستقبل مشرق. منذ ١٠ سنوات، أجبرت الحرب المندلعة في سوريا مخلصة على ترك البلاد، وفي الليلة التي فرّت فيها برفقة عائلتها كانت قريتها تحت قصفٍ عنيف لم يترك لهم أي خيار آخر سوى الرحيل نحو مستقبلٍ مجهول؛ وفي رحلةٍ مرعبة نحو الأردن، شقّت طريقها المظلمة برفقة أربعة أطفال. "لا يمكنني حتى أن أصف الرعب الذي عشناه في تلك الليلة، ناهيك عن الإنهاك الجسدي، في اللحظة التي رأينها فيها شرطة الحدود الأردنية، انهرت باكية ولم تعد قدماي تحملانني وسقطت أرضاً. أشكر الله على أنني تمكّنت وعائلتي من الوصول إلى ميناء آمن". استغرق الأمر من مخلصة وعائلتها بضع سنوات حتى تمكنوا من الاستقرار في مدينة الرمثا التي يقيمون فيها الآن، لكن لم تكن أمور الحياة سهلة بالنسبة لها، حيث تفاقمت حالة زوجها الصحية ومشكلته في القلب في ظل غياب مصدر دخلٍ ثابت. "لقد مرّت أيّام لم نكن نملك فيها قرشاً واحداً في المنزل". عاقدةً العزم على إعالة أسرتها، بدأت مخلصة ببيع المخلّلات محليّة الصنع، حيث لاقت هذه الخطوة اهتماماً من جيرانها الأردنيين، الأمر الذي ساعد على زيادة مبيعاتها. كل ما كان يدور في رأسها عندما بدأت العمل هو إطعام عائلتها، فلم يكن لديها نيّة في تحويل بيع المخلل إلى مهنة، ولم تجرؤ على الحلم بإمكانية توسيع عملها؛ لكن بعد ٧ سنوات، أصبحت مخلصة هي المعيل الأساسي لأسرتها ولأسرتيّ ابنها وابنتها أيضاً. "لم يكن الأمر سهلاً على الإطلاق، ولكني نجحت في إعالة عائلتي وإثبات شخصيتي المستقلة". سمعت مخلصة لأول مرة عن برنامج "تطوير المساحات والممارسات المعززة لحماية الأردنيين والسوريين في المجتمعات المستضيفة" [caption id="attachment_1179987" align="alignnone" width="1394"]صورة تعبيرية صورة تعبيرية[/caption] [caption id="attachment_1179988" align="alignnone" width="1394"]صورة تعبيرية صورة تعبيرية[/caption] الذي تنفذه منظمة أجيال السلام من إحدى صديقاتها، وقد انضمّت على أمل أن تتعلم مهارات جديدة تسمح لها بتوسيع أعمالها ومساعدة الأشخاص من حولها. لم يمنعها كونها الأكبر سنّاً في البرنامج من الانخراط في الجلسات والأنشطة، ولم تفوّت أيّ جلسة، وكانت حريصة على تدوين كل الملاحظات. وتقول في هذا الصدد: "انضممت إلى البرنامج لاكتساب مهارات من شأنها مساعدتي في تنمية عملي الصغير. لم أفكر مطلقاً أن البرنامج سيضفي على حياتي معنى آخر. لقد نسيتُ شخصيتي خلال السنوات العشر الماضية فقد كنت قلقة دوماً بشأن المستقبل، وإطعام عائلتي والاهتمام بزوجي المريض. لكن ومن خلال البرنامج تمكّنت، وللمرة الأولى، أن أنفصل عن مخاوفي ومسؤوليات الحياة اليومية للتعبير عن أفكاري، والأهم من ذلك كله استطعت أن أقدّر نفسي". قدّم البرنامج لمخلصة مناخاً ومساحةً لنفسها حتى ولو كان ذلك لمدة ساعتين في اليوم فقط، حيث كانت قادرة على الانفصال عن الواقع والتواصل مع ذاتها من جديد. "من الرائع الشعور بالتقدير. كنت فخورة للغاية عندما شاركتُ قصة نجاحي مع بقية المشاركين. شعرتُ في البداية برهبة الوقوف والتحدث أمام الناس، لكن حالما شرعتُ بالكلام، تملكني إحساسٌ بالقوة والفخر، وجعلني الحضور أشعر وكأنني بين أفراد عائلتي". وجدت مخلصة أيضاً الجلسات حول حماية الطفل ذات أهمية توعوية كبيرة، حيث لم يخطر في بالها من قبل أنها مسؤولة عما يراه أطفالها على الإنترنت، كما استفادت من التدريب على وسائل التواصل الاجتماعي والحاسوب بشكل كبير. "لا أقول أنني أصبحت خبيرة، لكن بإمكاني الآن تصفّح الويب والرد على الطلبات التي أتلقّاها على صفحة فيسبوك الخاصة بعملي". أما عن الخبرة التي اكتسبتها، فقد نقلتها إلى زوجها الذي أصبح يدير صفحة التواصل الاجتماعي الخاصة بها. واليوم، وصلت مخلصة بعملها إلى عمّان والعقبة ومحافظاتٍ أخرى، وعندما يزداد الطلب على منتجاتها تستعين بجيرانها من الأردنيين لمساعدتها. "يعاني جيراني من مشاكل مادية، وأحاول أن أدعمهم عن طريق طلب المساعدة في العمل. بالمقابل، يتلقون أجراً على جهودهم، مما يعود بالفائدة على الجميع". أصبحت مخلصة تثق بشكل أكبر بقدرتها على توسيع أعمالها ومساعدة مجتمعها في الوقت ذاته.اضافة اعلان