المرأة مهنيا.. إنجازات لافتة تقهر عراقيل أصحاب العمل

Untitled-1
Untitled-1

ديمة محبوبة

عمان - لم تكن تتوقع وداد أحمد في يومها الوظيفي الأول بشركة خاصة، بأن راتبها لا يعادل نصف راتب زميلها الذي تزامن تعيينه معها، رغم أنها تتفوق عليه بسنوات الخبرة والكفاءة والمهارات.اضافة اعلان
وعند سؤالها لمديرها لماذا هذا التفاوت بينها وبين زملائها، رغم أنها تتفوق على كثيرين، كان جوابه صادما بالنسبة لها.. "انت متزوجة ولديك ولدان، ولن تكون انتاجيتك ذاتها كما زملائك الرجال.. كما أن هذه الفترة ستكونين تحت التجربة.. لن نقبل التقصير ابدا".
ولم يكتف مديرها بذلك، إنما زاد بكلامه، وبأنه "يكره" أن يوظف السيدات وتحديدا التي ترتبط بالتزامات منزلية، مؤكدا أن كل تجاربه مع النساء كانت فاشلة بالعمل.
إلى ذلك، قال: "لا يتحججون" كل يوم بشيء ما، كما النساء، لذلك يستحقون أن يأخذوا راتبا مضاعفا. ذلك الجواب صدمها كثيرا، وناقشته أنه لا يجوز له أن يحكم عليها مبكرا، فإذا شعر منها أي تقصير يحق له محاسبتها، ولكن لا يضع أحكاما استباقية.
وداد لم ترضخ أبدا لما فعله مديرها، لكن غيرها من النساء والفتيات قد لا يتمكن من القيام بالخطوة ذاتها، إذ بلغ معدل البطالة خلال الربع الرابع من العام 2018 (18.7 %) بارتفاع مقداره 0.2 نقطة مئوية عن الربع الرابع من العام 2017. وبلغ معدل البطالة للذكور خلال الربع الرابع من العام 2018 (16.9 %) مقابل(25.7 %) للإناث، ويتضح أنّ معدل البطالة ارتفع للذكور بمقدار0.8 نقطة مئوية وانخفض للإناث بمقدار1.8 نقطة مئوية مقارنة بالربع الرابع من العام 2017.
وعلى الرغم من وجود عدد كبير من النساء الناجحات اللواتي يملكن مؤهلات على مستوى عال، غير أن تحدياتهن كبيرة، ومنهن مرام، التي منعها أخوها الذي يصغرها سنا من وظيفتين كانت تحلم بهما، وتخطت اختبارات كثيرة لتصل إليهما، إلا أنه رفض عملها بسبب اختلاطها المباشر مع رجال في المؤسسة، حاصرا خياراتها بقطاع التعليم في إحدى المدارس القريبة من البيت فقط.
وتقول "رغم أن البعض يجد أن هذا الكلام غريبا فنحن في زمن التطور والوصول إلى القمر، إلا أني من عائلة لا تهتم بمستقبل الفتاة ورفع قيمتها الاجتماعية والعملية، مثل كثيرين في الأردن".
اختصاصي علم الاجتماع د. محمد جريبيع، يرى أن الكثير من العوائق والتحديات تقف أمام الأنثى، أولا في إقناع ذويها بالتخصص الذي تريده في الجامعة، خصوصا أن عددا لا بأس به من الأهالي يمنعون بناتهن من دراسة تخصصات تبعدهن عن وظيفة المعلمة.
وبالتالي بعد تخرجها من الجامعة، تجد الفتاة صعوبة في إقناعهم بما يصلح لمستقبلها المهني وما هي التخصصات والوظائف التي تناسبها وأنها ستكون قادرة على المنافسة، وبعد أخذ الموافقات العائلية تصطدم بما يريده سوق العمل.
ويؤكد الدكتور النفسي موسى مطارنة، أن أهم المعيقات التي تواجهها المرأة، هي قيود يفرضها المجتمع على نوعية العمل الذي يليق بها ويناسبها، كما أنه لا توجد قوانين مفعلة لحقوق المرأة أو لحمايتها من العنف.
ويشير إلى أن هناك عوائق نفسية مرتبطة بالمرأة نفسها واستسلامها وخضوعها للثقافة الذكورية، "إن ثقافة العيب التي يمارسها المجتمع كما أن خوفها من خوض غمار التجرِبة بممارسة أعمال غير تقليدية أو الطموح بتسلم مناصب قيادية تكون فيها صاحبة القرار والموقف".
ويبين أحد المدراء في شركة مخصصة للأدوية طلب عدم ذكر اسمه، أنه مع توظيف الفتيات غير المتزوجات، إذ يجد فيهن الجدية والنجاح والتقدم في مسيرتهن المهنية، والمسؤولية ودقة العمل.
ويكمل المدير "لكن الحال ينقلب بمجرد خطبة الفتاة، فيصبح همها غير العمل، وأولوياتها مختلفة مما يجعل من صالح أرباب العمل الاستغناء عن الفتيات المتزوجات أو من هن أمهات، ولأن قانون العمل يمنع هذه الخطوة، فينصح بألا يستقبلهن في العمل إن كانت متزوجة أو أما".
ويرى جريبيع أن سوق العمل ينظر للمرأة بأنها وسيلة لتثبيط العمل خصوصا إن كانت صاحبة مسؤوليات، متناسيين حقوقها في العمل والرضاعة والحمل والوضع وحقها في ساعة الرضاعة، عدا عن حقها كحق أي موظف بالإجازات السنوية والمرضية وكذلك الإجازات المتفق عليها كإجازات العمل.
ومن المعيقات التي واجهت ميساء في عملها في إحدى الشركات الخاصة، وجعلتها تستقيل وتفضل الجلوس في بيتها بين أطفالها، هو سطوة مديرها المباشر، واصفة إياه بأن لسانه سليط، ويكره الإناث اللواتي يعملن في المكتب رغم إبداعهن في العمل وقدرتهن على الإنجاز بسرعة أكبر وكفاءة أعلى من زملائهن الرجال في كثير من الأوقات.
لكن ابنة الـ33 عاما لم تعد تحتمل ملاحظات واتهامات مديرها بأنها منذ تزوجت بدأت تتكاسل في عملها، ولم يعد من أولويات حياتها، رغم عدم حقيقة هذا الشيء.
وبعد توتر شديد وضيق من هذا الكلام وأكثر أحيانا، عادت إلى المنزل بغضب وقهر وكأن ليس من حقها أن تكون فتاة لها عائلة تؤسسها وتفرح بها وتبقى ناجحة في عملها، لتتفق مع زوجها بالاستقالة والاستراحة من هذا العمل وهذه الأجواء المشحونة وجلوسها في المنزل حتى تجد وظيفة تليق بها.
ويؤكد جريبيع بأن المرأة لديها قوى خارقة في سوق العمل والحياة عامة، ففكرة التوازن بين البيت واحتياجاتها من ترتيب وتنظيف وطبخ واهتمام بأفراده والتوازن بين هذا العمل وما يترتب من مسؤوليات كثيرة وشاقة، والعمل خارج المنزل والسعي لإثبات الذات وإقناع الموظفين والمدراء والمسؤولين، يدل أن المرأة قادرة على أن تثبت ذاتها في كل مكان.
في حين يجد الخبير الاقتصادي حسام عايش أن التنوع في سوق العمل يعني وجود المنافسة الايجابية، فالمرأة تمكنت من النجاح في عدد كبير من المجالات، من أقل المهن وحتى أعلاها بالجانب الحكومي.
ويقول "لأن جميع الاتهامات تتوجه للمرأة في حال وجود خطأ ما، نجد الفتاة تحفر بالصخر وتثبت جدارتها لتكون أهلا لمكان العمل، وأن يغضوا الطرف في حال تغيرت ظروفها الاجتماعية وباتت فتاة متزوجة أو لديها أطفال وفقا لسنة الحياة.
ويقول عايش بأن عددا لا بأس به من المعوقات تواجه المرأة التي تحول بينها وبين الالتحاق بسوق العمل مما يجعلها حبيسة منزلها، وكثير منهن تمكن من تجاوز هذه الصعوبات والالتحاق بسوق العمل في القطاع العام أو الخاص، إلا أنهن ما زلن يواجهن العديد من التحديات فيما يتعلق بشخصية المرأة أو بمحيطها الاجتماعي وببيئة العمل والقوانين ذات الصلة بالنساء وحقوقهن والواجبات.
ذلك، يجعل المجالات التي تواجدت فيها المرأة بشكل كبير ليست على قدر الطموح تماما ومحدودة مقارنة بتواجد الرجل، الأمر الذي أنتج فجوة كبيرة في النوع الاجتماعي في كل مجال من تلك المجالات المحدودة.
ويتفق المطارنة مع عايش، بأن مشاركة المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع منخفضة بشكل كبير، وذلك نتيجة للمشكلات التي تواجهها، ومن أبرزها التهميش وإبعادها عن أداء دورها الفعال في عملية التنمية.
ويؤكد بأن ما تواجهه المرأة في حياتها من ضغوطات وتهميشات وكفاح لأجل الوجود جميعها أمور تجعل منها سيدة متوترة وتحمل ضغطا نفسيا كبيرا.
ويشير المطارنة إلى أنها تواجه مشكلات ومعوقات في المجتمع العربي في مجال العمل، بعضها يعود للعادات والتقاليد أو لأمور أخرى، وبعضها للمشكلات التي تواجهها المرأة فيما يتعلق بمجال العمل.