المراكز: شهادة على فشل النظام التعليمي أم حبوب مهدئة لـ التوجيهي؟

طلاب يقدمون امتحان الثانوية العامة في سنة سابقة.-(ارشيفية)
طلاب يقدمون امتحان الثانوية العامة في سنة سابقة.-(ارشيفية)

مكرم الطراونة وآلاء مظهر

عمان - “حاول أن تؤمن 110 دنانير اليوم، يجب دفع رسوم تسجيل محمد لمادة الفيزياء في المركز الثقافي، ولا تنس أنه مطالب الأسبوع المقبل بـ110 دنانير أيضا لمادة الرياضيات، و90 للأحياء، و70 لمادة تاريخ الأردن الحديث، أما مادة اللغة العربية فتحتاج إلى 100 دينار”.. بهذه الكلمات كانت والدة محمد تخاطب زوجها الموظف في إحدى الشركات الخاصة الصغيرة.
يذهب محمد ومعه الـ110 دنانير للالتحاق بحصة الفيزياء عند المعلم “س”، الذي يشاع أنه “متميز وجميع الطلبة يتسابقون لحضور حصته”.. يصل المركز الكائن في منطقة جبل الحسين، ويدخل غرفة صفية صغيرة مليئة بالطلبة، الذين يفوق عددهم مساحتها.
الضجيج يعم الغرفة، والمعلم لا يستطيع السيطرة على الأجواء في أغلب الأحيان، فيما وقت الحصة يمضي ومحمد يحاول الاستفادة قدر الإمكان لكنه يفشل، فالمشهد مؤرق.
وحين يهم محمد بالخروج من الحصة.. يوقفه المعلم مخاطبا إياه: “أستاذ العربي (ص) من أفضل المعلمين، أوصيك بالتسجيل عنده، يدرس هنا في نفس المركز”، ثم ليلتقطه بعد ذلك مدير المركز، ويسوق له عددا آخر من المعلمين الذين يعلمون في المركز، على اعتبار أن “طلبتهم في الأعوام السابقة حققوا معدلات نجاح مبهرة، ولم يرسب عندهم أحد”.
وفي النهاية يجد محمد نفسه وقد سجل في مواد لا تحتاج إلى معلم خصوصي، كالتربية الإسلامية، والتاريخ.
ويسأل محمد القاطن في منطقة جبل النزهة، والدته على استحياء عما إذا نجح والده في توفير دفعات باقي الحصص، فترد عليه: “والدك يبذل كل جهده لتوفيرها لك”، فيقول لها “قال لنا معلم الفيزياء إن علينا التسجيل لحصص المراجعة قبل الامتحان، فهو سيوفر لنا أسئلة مقترحة ومتوقعة نستفيد منها، وتكلفة الحصة 35 دينارا، ومدتها ساعتان”.
وفي نهاية الفصل يجد والد محمد نفسه وقد أنفق مبالغ طائلة على الدراسة في المراكز الثقافية، جنبا إلى جنب مع تلك التي يدفعها للمدرسة، بدل شراء دوسيات، وحصص مصورة، و...
أما هبة، الطالبة في الثانوية العامة، في مدرسة حكومية في شرق عمان، فاقترح والدها أن يوفر لها مدرسا خصوصيا في المنزل بدلا من المراكز، التي يعتقد أنها “مضيعة للوقت”، لأن ابنته تحتاج إلى نصف ساعة ذهابا، ومثلها إيابا، بيد أنه اصطدم بأن تكلفة الساعة الواحدة في أدناها 25 دينارا، بحسب طبيعة المادة. يقول والد هبة لـ”الغد”: “إنه رقم لا أقدر عليه، ماذا أفعل؟ ابنتي تحتاج إلى أكثر من معلم لأكثر من مادة، إلى جانب أثمان الملخصات وأرواق العمل.. يا له من مرض يدعى الدروس الخصوصية، لوبيات من المعلمين تستغل حاجتنا”.
بدوره، لم يتردد معلم الحاسوب “ع”، في الاعتراف أثناء حديثه لـ”الغد” بأنه “يستطيع أن ينهي تدريس مادته لطلبته سواء في المنزل أو المركز الثقافي بـ5 حصص فقط، مؤكدا أن ما يتقاضاه من مال هو “حرام”، لأنه يقنع الطالب وولي أمره أن ابنه يحتاج إلى مراجعة مستمرة.
ويعترف: “في كل زيارة أحصل على 20 دينارا قيمة كل ساعة.. لو لم أفعل ذلك، فإني لن أستفيد شيئا.. مالي حرام لأني أوهم الطلبة بأنهم يحتاجون إلى المزيد، وهذا على أرض الواقع أمر غير صحيح، لكنني لست الوحيد الذي يفعل ذلك”.
أما معلم الأحياء “ك”، فيقول: “لا أقبل بحصة خصوصي، فهي بالنسبة لي مضيعة للوقت، فلن أعطي طالبا حصة بـ25 دينارا، فيما أستطيع أن أعطي 50 طالبا حصة واحدة معا في المركز، أو 10 طلاب يتجمعون في منزل أحد الطلبة”.
ويعترف لـ”الغد”: “أدرس في 4 مدارس كدوام جزئي، وأدرس في 5 مراكز، ومجموعتي تدرس في منزل، أغادر منزلي الساعة الثامنة صباحا وأعود في الـ11 ليلا”.
حظر تدريس منهاج “التوجيهي”
وفق المادة 8 بند (ج) من تعليمات المراكز الثقافية رقم (1) لسنة 2009 فإنه “يحظر تدريس المناهج والكتب المدرسية المقرة من الوزارة في المراكز الثقافية”، فيما تشترط المادة (4) على المركز أن “يراعي الشروط الصحية والسلامة العامة فيما يتعلق بالمبنى من الداخل والخارج، وأن لا تقل مساحة مبنى المركز عن (100 متر مربع)، وتخصيص (2.2 متر مربع) للمتدرب الواحد داخل غرفة التدريب”.
بيد أن الطالب حسن من سكان مرج الحمام يقول لـ”الغد” إنه “ونحو 40 طالبا يدرسون في حصة صفية صغيرة في المركز، وهي لا تتسع لمثل هذا العدد، حيث تصعب حركتنا، وتصعب معها قدرتنا على فهم الشرح، نتيجة تداخلات أسئلة عديدة يطرحها الطلبة، ولا بديل لدينا سوى الدروس الخصوصية في المنزل وهذه مكلفة جدا، والمعلمون المتميزون لا يفضلونها لأنها أقل ربحا بالنسبة لهم”.
أمين عام وزارة التربية والتعليم للشؤون التعليمية محمد العكور قال إن عدد المراكز الثقافية في الأردن يبلغ 190 مركزا، 100 منها في عمان و90 في باقي محافظات المملكة.
وأضاف أن عدد المراكز التي جرى تأسيسها وترخيصها للعام الحالي بلغ 15 مركزا في العاصمة ولم يتم تأسيس أي مركز خلال العام الماضي، بسبب وجود قرار سابق من وزارة التربية والتعليم بمنع ذلك.
وبين العكور لـ”الغد” أن “عدد المراكز التي تم إغلاقها العام الحالي بلغت 13 مركزا، منها 10 بسبب عدم تجديد الرخصة السنوية المؤقتة، و3 تفتح أبوابها بدون ترخيص (عشوائية)”.
وأوضح أن المخالفات التي تستوجب إغلاق المراكز الثقافية هي: “اذا لم يقم المركز الثقافي بتجديد رخصة مركزه خلال شهرين من تاريخ انتهاء الرخصة السابقة بحسب المادة 14/5 من تعليمات المراكز الثقافية رقم 1 لسنة 2009”.
ومن الأسباب أيضا: “إذا ارتكب المركز مخالفة تستوجب إيقاع عقوبة الإنذار، مثل عقد دورات تقوية مبنية على المناهج والكتب المدرسية بحسب المادة 9، الفقرة ج من تعليمات المراكز الثقافية، وعدم وجود صيانة للمركز وعدم توفر شروط النظافة، وعدم وجود سجلات للمتدربين الناجحين والراسبين، وفي حال لم يقم المركز خلال أسبوعين بتصويب المخالفة فللوزير حق إغلاقه للفترة التي يراها مناسبة”.
ولفت إلى أنه “لم يتم تأسيس وترخيص أي مركز ثقافي من قبل الوزارة لعقد دورات مبنية على المناهج والكتب المدرسية أو عقد دروس تقوية، ولا يسمح بذلك، لكن هناك بعض المراكز التي تم ترخيصها قامت وتقوم بتحويل نشاطها من دورات قانونية مسموح بها إلى دورات تقوية، وعندما يتم اكتشاف ذلك من إدارة التعليم الخاص، يتم فورا إنذار المركز خطيا بإيقاف مثل هذه الدورات، وإن لم يتم  ذلك خلال أسبوعين يتم إلغاء رخصة المركز وإغلاقة استنادا إلى نص المادة 14 من تعليمات المراكز الثقافية رقم 1 لسنة 2009”.
وردا على ملاحظة “الغد” بشأن استمرار المراكز الثقافية بتدريس منهاج الثانوية العامة، بين العكور أن “حملات الوزارة على المراكز المخالفة لم يتم إيقافها، ولكن اصبح هناك تراجع في عدد المراكز المخالفة وعدد الشكاوى المقدمة بحقها، لكن تبقى المخالفات موجودة، وفي المقابل المتابعة موجودة، ولا تهدف الوزارة إلى تصيد الأخطاء والمخالفات بقدر ما تهدف إلى تصويبها”.
الترويج عبر شبكات الإنترنت
رغم مخالفتها للتعليمات، لا تتوانى المراكز الثقافية عن الإعلان عن عقد دورات عبر عدة نوافذ، أبرزها مواقع التواصل الاجتماعي، وتوزيع بروشورات، فيما يقوم المعلمون بدعوة طلبة المدارس إلى التسجيل في دورات تدرس منهاج الثانوية العامة، حيث تنص المادة (11) أنه يشترط عند الإعلان عن عقد الدورات التدريبية، صدور الموافقة المبدئية للتأسيس وموافقة الوزير على الدورات، ويحظر الإعلان عن الدورات التي يعقدها المركز في المؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة.
وأوضح صاحب أحد المراكز في منطقة الوحدات لـ”الغد”: “لا نتوانى عن الإعلان عن عقد دورات لتدريس منهاج الثانوية العامة، عبر عدة منابر إعلامية، أبرزها مواقع التواصل الاجتماعي، أو خدمة (واتس أب)، حيث يقوم كل معلم بتوزيع رسائل خاصة على الطلبة وذويهم يدعوهم إلى الاشتراك في المركز، شريطة أن لا تقتصر دعوة المعلم للطلبة على الالتحاق بمادته العلمية، بل هو مطالب بنشر بروشور يحمل اسم المركز وأسماء المعلمين الذين يدرسون فيه”.
ورفض صاحب المركز، وهو أستاذ مادة لإحدى مواد التوجيهي العلمي، وطلب عدم نشر اسمه، اعتبار أن “ما يقوم به بمثابة مخالفة لتعليمات حظر الإعلان عن الدورات”، مشيرا إلى أن “من حق الطلبة الحصول على كل ما من شأنه أن يسهل عليهم اختيار المعلم المناسب لهم”.
كما أكد رفضه لما أسماه “زعم” ذوي طلبة بأن المعلمين “يستغلون حاجة الطلبة، ووضعهم النفسي، عبر الضغط عليهم للالتحاق بالمدارس”، مشيرا إلى أن “المركز أو المعلم لا يجبران أي طالب على الالتحاق بدروس التقوية، بل يأتي الطلبة طوعا نتيجة تراجع مستوى التدريس في معظم مدارسنا”.
واتفق معه معلم مادة اللغة العربية “ق”، بقوله إن “الطلبة يأتون باختيارهم، ويسجلون في أكثر من مادة في ذات المركز، دون ضغط أو محاولات إقناع، ولا نحتاج إلى حملات إعلانية”.
تقوية في الثقافة الإسلامية والتاريخ
ردا على سؤال “الغد” حول “أسباب حاجة طالب توجيهي إلى دروس خصوصية في مادة الثقافة الإسلامية؟”، أجاب معلم المادة “ك” إن “الطالب في الواقع لا يحتاج، لكن يأتي للتسجيل في المركز لأنه يكون في أمس الحاجة إلى ارشادات وأسئلة متوقعة، وملخصات ليس أكثر، إنها حالة الرعب التي يعيشها الطالب وذووه، وهي ما يدفعهم للتوجه للتسجيل في مواد لا تحتاج إلى مدرس خصوصي”.
أما أستاذ التاريخ “ز” فيقول: “يتسابق الطلبة لشراء ملخصات لمادة التاريخ، وهذا أمر معقول، لكن ورغم أنني أدرس المادة، فإنني أستغرب لماذا يقدم الطلبة على التسجيل في حصص تقوية لهذه المادة، فهي مادة حفظ أكثر منها فهما، وبطبيعة الحال أنزل عند رغبة الطلبة بتغطية دورات للمادة في المراكز الثقافية”.
ودافع صاحب مركز ثقافي في عمان الشرقية عن ذلك بقوله: “نحن نطرح دوراتنا في كافة المواد، وللطلبة حرية الاختيار في التسجيل بها مهما كان نوعها، ويتم إلغاء الدورة في حال لم يسجل بها أحد”.
ويعلق طالب الفرع الأدبي محمود، على ذلك بقوله: “سجلت للالتحاق بدورة مادة التاريخ، لأنني أسمع أن معلمي المراكز الثقافية قادرون على إرشادي عن الأسئلة المتوقعة للامتحان فقط، فالمادة لا تحتاج إلى شرح”.
فقدان الثقة بالنفس
يعترف ذوو طلبة ثانوية عامة بأن الحالة النفسية “المرعبة” التي يعيشها أبناؤهم أثناء فترة “التوجيهي”، وحرصهم على الحصول على معدلات مرتفعة، هي سبب انقيادهم وراء المراكز الثقافية، وخضوعهم لعمليات “استغلال”، مشيرين إلى أنهم يقفون مكتوفي الأيدي أمام طلبات أبنائهم رغم إدراكهم أن هناك مبالغة في الدروس الخصوصية.
وعزا أستاذ علم النفس والإرشاد النفسي المساعد في جامعة فيلادلفيا الدكتور عدنان الطوباسي أسباب لجوء الطلبة إلى المراكز الثقافية، إلى شعورهم وذويهم “بتدني مستوى الأداء في مدارسهم، وهو ما أدى إلى استثمار عدد كبير من معلمي المدارس لهذا السبب، وترتب على ذلك استقطابهم عددا كبيرا من الطلبة لتدريسهم، سواء في المنازل أو المراكز الثقافية المنتشرة، مقابل مبالغ مالية أكثر بكثير من رواتبهم”.
وبين الطوباسي أن “هذه الأسباب لن تزول إلا إذا أظهرت وزارة التربية جدية في الارتقاء بمستوى التدريس في مدارسها، وتحفيز التنافس بين المدرسين والمدارس، وإجراء تقييم علمي وموضوعي لهما، وإخضاع المدارس للمحاسبة والمراقبة، وتعزيز المتميز منها ودعمه وتكريمه”.
وأشار إلى أهمية إنشاء مراكز خاضعة لوزارة التربية، للطلبة الذين يحتاجون إلى رفع مستواهم ومساندتهم في بعض المباحث التي يدرسونها.
وأوضح أن “لجوء الطلبة للمراكز الثقافية يعود إلى ثقافة مجتمعية منتشرة أضحت تقلق كل المعنيين بالعملية التربوية، بل تزيد العبء عليهم، لأنها أصبحت ظاهرة منتشرة بشكل كبير وواسع”.
ولفت إلى أنه “للارتقاء بالعملية التربوية وللحد من هذه الظواهر، يتطلب الأمر بالارتقاء بالمعلمين ودعمهم ماديا ومعنويا بصورة مجزية، بحيث تصبح مكانة المعلم مميزة يتسابق الناس للظفر بها، إضافة إلى الارتقاء بالمناهج وتعزيز الثقة بين أولياء الأمور والمدرسة”.
يقول ولي أمر طالب الفرع العلمي مراد، تعليقا على ذلك: “حتى لو أقدمت وزارة التربية على إيجاد مراكز ثقافية تابعة لها، فإن أغلب الطلبة لن يتوجهوا للتسجيل في دوراتها؛ لأنها ستكون نسخة طبق الأصل عن المدارس الحكومية، من حيث الاكتظاظ وعدم كفاءة المعلم”.
استغلال صعوبة بعض المواد
من ناحيته، قال الخبير التربوي الدكتور عبدالله عويدات، إن “هذه المراكز التي تقدم خدمات ذات علاقة بالتعليم الأساسي والثانوي، خاصة فيما يتعلق بتقديم الدروس الخاصة بمتطلبات الدراسة الثانوية، ازدهرت حين استغل المعلمون صعوبة بعض المواد، خاصة الرياضيات والفيزياء واللغة الإنجليزية”.
وأضاف أن “هذا التعليم بدأ في البيوت، إلا أن الأمر تطور حين استغل بعض المعلمين سمعتهم الجيدة في التدريس وحولوا الأمر إلى قضية تجارية مربحة، بحيث أصبح بعض المعلمين يقدمون المادة التعليمية في الغرفة الصفية داخل المدرسة بطريقة مجزوءة، وبدرجة تركيز خفيفة، ثم يدعون الطلبة للتعمق والشرح المفصل إلى مراكزهم الخاصة”.
ولفت عويدات إلى أن “الأمر تعدى ذلك وأصبح بعض المعلمين يؤلفون ملخصات وملاحق للمادة الدراسية ويغرون الطلبة بشرائها، والالتحاق بالمراكز، فازدهرت تجارة التعليم في المراكز”.
وأشار إلى أن “التنافس وصل أشده منذ تسعينيات القرن الماضي، ولم يقتصر الأمر على العاصمة بل تعداها إلى المدن الأخرى، فهذا الأمر أربك التعليم العام، واقترن بنوعين من المعلمين، معلم غير قادر على تقديم المادة التعليمية في المدرسة، لأنه لم يخضع للتدريب والتأهيل الكافيين، ومعلم طامع في إلحاق الطلبة بالتدريس الخصوصي ليضاعف دخله الشهري، وفي كلا الحالتين هبط التعليم في المدارس الحكومية وأصبحت المراكز مدارس موازية إلا أنها مدفوعة الأجر”.
إيهام الطلبة بحاجتهم لمزيد من الحصص
وبين عويدات أن هذا الأمر “لم يقف عند هذا الحد، بل قام كل مركز من المراكز بتقديم توقعات لأسئلة الثانوية العامة بشكل سنوي، وحين ينتهي الطلبة من امتحان الرياضيات مثلا، يقوم المركز بإشاعة أن 80 % من الأسئلة توقعها معلمو المركز التي جاءت في الامتحان”.
ولفت إلى أن “هذه المراكز ساهمت في ثراء أصحابها على حساب عملهم في مدارسهم، بحيث أوصلوا الطلبة، خاصة في المدارس الحكومية، إلى عدم الثقة بمدارسهم ومعلميهم، مما حمل الآباء والأمهات أعباء مالية نظير الرسوم التي يدفعونها للمراكز والملخصات والدوسيهات التي يؤلفها المعلمون، باعتبارها أسهل من الكتب المقررة من الوزارة”.
وأوضح أن “المراكز الثقافية ساهمت بالتقليل من شأن المدارس لاسيما الحكومية، كما قللت من شأن معلمي هذه المدارس، فيما عززت نزعة الطبقية بين الطلبة الذين يمتلكون قدرة مالية للدراسة في للمراكز وبين الطلبة الذين لا يملكون أن يمولوا رسوم هذه المراكز، مما شكل نقمة بين طلبة المدرسة الواحدة”.
ولفت إلى أن “هذه العدوى انتقلت إلى أولياء الأمور، خاصة وأن الأردنيين مصابون بحمى اسمها حمى التعليم، وترتفع درجة حرارة هذه الحمى إذا كان في البيت طالب أو طالبة توجيهي”.
وأشار إلى أن “هذا القطاع أصبح يشكل خطرا على التعليم العام، فغدا معلمو المدارس غير واثقين بعملهم، وحين يكون المعلم مؤهلا يستقطبه المركز ليحضر معه طلابه، وهكذا يصبح المعلمون جزءا من التجارة، ويصبح الطلبة وذووهم ضحايا هذه التجارة، فقد يرهنون رواتبهم لتغطية رسوم المراكز لأبنائهم في الثانوية العامة، على أمل حصولهم على معدلات مرتفعة”.
ورأى عويدات أن “هناك أكثر من سيناريو للتخفيف من هذه الظاهرة، تتمثل بتقديم المدارس لطلبتها إثراء في المواد التي يشكون من صعوبتها، واستغلال الوزارة للتكنولوجيا، عبر تقديم شروح مفصلة لكل درس من الدروس الصعبة، وتصويرها وتسجيلها على CD وتوزيعها على كل المدارس، إضافة إلى قيام الوزارة بتبني قناة تلفزيونية يقوم على إنتاج برامجها معلمون أكفاء ومختصون في المباحث المختلفة، وتقوم القناة ببرمجة المواد وبثها بالصوت والصورة”.
تجفيف منابع المراكز والدروس الخصوصية
أما الخبير التربوي الدكتور ذوقان عبيدات، فاعتبر أن المراكز الثقافية “ظاهرة طبيعية جدا، وجاءت كرد فعل على نظام تربوي معين”، مشيرا إلى أن “انتشارها يؤكد حاجة الطلبة لها، وإلا لكانت أغلقت جميعها”.
وأضاف: “الطلبة يلتحقون بالمراكز الثقافية كونها تقدم وصفات أو حبوب دوائية مركزة تساعدهم على التخلص من صداعات عديدة، حيث تعطيهم مسكنات لحفظ مادة دراسية معينة في وقت محدد، بحيث ينتهي مفعولها كحبة الدواء تماما”.
وأشار إلى أن وزارة التربية “لم تنجح بإغلاق هذه المراكز لعدم وجود بديل، فالمراكز المرخصة والمشروعة بقيت الحاجة لها موجودة”.
وبين أنه “لا يجوز الدعوة إلى القضاء على المراكز إطلاقا، إلا إذا قامت الوزارة والمعلمون ونقابة المعلمين والمجتمعات التربوية المهتمة بتوعية المعلمين وواضعي الامتحانات، بضرورة تطوير أنفسهم قبل تطوير الأنظمة التربوية نفسها، فالتدريس والمعلم والمدرسة الجيدة تغلق منابع الدروس الخصوصية، وغيابها يزيد سطوة المراكز”.
وأوضح أن “على الوزارة أن تبرز مشروعاتها التطويرية للتدريس والامتحان، وأن يقوم الإعلام التربوي بتوعية المجتمع والمعلمين بما تقوم به الوزارة، إضافة إلى اتخاذ إجراءات فورية مع واضعي أسئلة الثانوية العامة والمعلمين، لرسم أهداف جديدة للتدريس تقيس نشاط الطالب وشخصيته وقدراته على الفهم والتحليل وليس الحفظ إطلاقا”.
وقال إنه “لا بد من البدء بتطوير المناهج، بحيث يؤلف الكتاب المدرسي على أسس تركز على المفاهيم والمبادئ وليس الحقائق، وأن تطلب الكتب من المعلمين والطلبة القيام بأنشطة تهدف إلى التعلم من خلال المادة وليس تعلم المادة نفسها”، مبينا أن “المباحث وسيلة للتعلم، وإذا وصلنا إلى هذه القناعة فستغلق المراكز الثقافية”.
وأشار إلى أن “المراكز الثقافية تعطي نصوصا لمواضيع الإنشاء، بحيث يستطيع الطالب أن يستخدمها في أي موضوع (ديباجة واحدة)، لكن الطالب في الحقيقة لا يستفيد شيئا سوى الحصول على العلامة”. وكان وزير التربية والتعليم الدكتور عمر الرزاز قال خلال مقابلة سابقة مع “الغد”، حول تطوير امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة إنه “يجب النظر في كافة الجوانب المتعلقة به، لذا لا بد للوزارة من وضع ضوابط لعمل المراكز الثقافية، التي يستغل العديد منها حاجة الطلبة وحالة الطالب النفسية”.
وأضاف أن “ضبط هذه المراكز يحدث عندما ننجح في وقف الحاجة لها، وإذا عمدنا إلى منع العمل في هذه المراكز، فإنها ستنتقل إلى المنازل، وتكون خطورتها أكبر من المراكز المرخصة”. وردا على سؤال لـ “الغد” بشأن المراكز الثقافية، أوضحت دائرة الإفتاء العامة أن “الأصل في إعطاء هذه الدروس الإباحة؛ لأنها إجارة على عمل مباح، ولكن ضمن عدة ضوابط، تتمثل في أن لا يكون نظام الجهة التي يعمل لديها يمنع إعطاء الدروس الخصوصية، ففي هذه الحالة يجب مراعاة النظام، وأن لا يترتب على ذلك محذور شرعي من خلوة محرمة أو توقع حصول فتنة، إذا كان من رجل لامرأة أو العكس.
وأضافت أن من الشروط أيضا: “أن لا يؤثر ذلك على عمل المعلم الأصلي، بحيث يقصر المعلم في تدريسه في المدرسة النظامية، لغرض جذب الطلاب عنده للدروس الخصوصية، أو يقصر بسبب مجهوده الذهني والبدني الذي يبذله خارج المدرسة، وأن لا يحابي من يتلقى عنده الدروس الخصوصية على حساب بقية الطلبة”.

اضافة اعلان

[email protected]
[email protected]