المراوحة في المكان

معاريف

يوسي ميلمان   7/9/2018

في السنة الماضية بقي الوضع الأمني والعسكري لإسرائيل في كل الجبهات مستقرا، هكذا يقدرون في شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، في هيئة الاركان، في الموساد وفي الشاباك. إسرائيل كانت وما تزال القوة العظمى الأكبر والأقوى في الشرق الاوسط، وهي ليست عرضة لأي تهديد جدي، وبالتأكيد ليس وجوديا. ولكن هذا الاستقرار لم يستغل للتقدم في تحقيق الفرص وتحسين الوضع السياسي والأمني وتحقيق تسويات مستقرة أكثر في سورية وفي غزة. 

اضافة اعلان

الجديد الأكثر اثارة للاهتمام هو أنه في السنة والنصف الاخيرتين نفذ الجيش الإسرائيلي ولا سيما بواسطة سلاح الجو، 202 هجوما ضد اهداف لإيران وحزب الله في سورية. منذ نشوب الحرب الاهلية قبل سبع سنين ونصف السنة يمكن التقدير بان سلاح الجو نفذ قرابة 500 غارة.

في الجيش يفهمون أن ما يحصل في المعركة ما بين الحربين. هذه هي عمليات جراحية، موضعية، تكون علنية احيانا ولكن في الغالبة سرية، لا تتبنى إسرائيل المسؤولية عنها. في المعركة مع بين الحربين يشارك اساسا سلاح الجو، سلاح البحرية والاستخبارات بوحدات هذه الاسلحة المختلفة. عمليات المعركة ما بين الحربين تنتشر في ساحات مختلفة – ليس فقط في سورية وفي لبنان بل وفي غزة أيضا. ويمكن التقدير انها تتم في اماكن اخرى أيضا. فالناطقون الإسرائيليون يتباهون بان إسرائيل يمكنها أن تصل إلى كل مكان، بما في ذلك إيران، وتشهد على ذلك عملية الموساد للحصول على الارشيف النووي. كما كانت في الماضي تقارير عن ان الجيش الإسرائيلي عمل في سيناء لمساعدة الجيش المصري. قصف في السودان وأبدى حضورا في البحر الاحمر. 

تشهد كثرة العمليات في سورية بان المخاوف المسبقة والتحذيرات (بما فيها من كاتب هذه السطور) بان تواجد الجيش الروسي في سورية سيمس بحرية عمل الجيش الإسرائيلي، كانت عبثا. فالأعمال تشهد على أن التعاون والتنسيق بين إسرائيل وروسيا لم يسبق ان كانا افضل. فالجيش الإسرائيلي لم يكن بوسعه أن يهاجم ويدمر ارساليات سلاح للصواريخ الدقيقة من إيران لحزب الله، مخازن سلاح، مصانع لانتاج الصواريخ بعيدة المدى ومنظومات الدفاع الجوي – دون إذن او غض النظر من الكرملين. ثمة في هذا الشأن تماثل للمصالح وتفاهمات بين إسرائيل وروسيا. 

فالدولتان (ونظام الاسد أيضا) غير معنيتين بتواجد إيراني على ارض سورية، وهما تعملان في أن تسحب إيران قواتها من هناك في نهاية الحرب. كما تراعي إسرائيل في هجماتها ارادة روسيا في عدم هز نظام الاسد وعدم المس بالجيش السوري، وهي لا ترد الا على النار التي تطلق نحو طائراتها. في هذه الاثناء يعطي هذا التعاون نتائجه. فلا توجد لإيران او فروعها (حزب الله والميليشيات الشيعية) على مسافة بضع عشرات الكيلو مترات عن مرتفعات الجولان. الجيش السوري يعود للانتشار على طول الحدود وفقا لاتفاقات فصل القوات في 1974. كما ان هناك تواجدا لبضع مئات من رجال الشرطة العسكرية الروسية. يشرقون على اتفاق وقف النار بين النظام ومنظمات الثوار. 

من جهة اخرى لا يوجد أيضا أي مؤشر على أنه رغم الضغط العسكري الإسرائيلي، فإن الكتف الباردة لروسيا والمشاكل الاقتصادية الداخلية تعتزل إيران التنازل في المدى البعيد عن معقلها في سورية. ففي مهمتها سفك دماءهم في ميادين المعارك في سورية المئات من مقاتليها، اضافة إلى نحو 2000 من مقاتلي حزب الله والاف عديدة من رجال الميليشيات الشيعية، وذلك ليس فقط من أجل بقاء نظام الاسد. فقد فعلت هذا واستثمرت في الحرب نحو 17 مليار دولار كي تتمكن من التمتع باقامة هلال شيعي، من طهران، عبر بغداد إلى سورية ومن هناك إلى لبنان. وبالتالي فإن الصراع بين إسرائيل وإيران، الذي يرتدي وينزع الشكل، من استخباري وسري إلى عسكري وعلني، سيستمر. 

أما الوضع في غزة هو الاخر يبقى متفجرا. فالهدوء الذي تحقق بين إسرائيل وحماس في اعقاب جهود الوساطة لرئيس المخابرات المصرية الجنرال كامل عباس ومبعوث الامم المتحدة إلى الشرق الاوسط نيكولاي ملادينوف قائم وان كان هشا. بعد اكثر من أربعة اشهر اوقفت حماس نار الصواريخ واطلاق الطائرات الورقية والبالونات الحارقة والمظاهرات على الجدار واثبتت بانها ان ارادت فإنها تكون صاحبة السيادة في غزة تخضع لامرتها الجهاد الاسلامي والمنظمات العاقة. 

اذا استمرا الهدوء، سيتمكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الأمن أفيغدور ليبرمان من التباهي في أن سياستهما "الهدوء يستجاب بالهدوء" نجحت، دون أن تقدم إسرائيل اي تنازل لحماس. وهذه بالضبط هي المشكلة. حماس تفهم ذلك جيدا، وهي لا تريد أن تتخذ صورة المهزوم. هدفها الاستراتيجي هو تحقيق اعمار القطاع، للتخفيف من أزمة 1.9 مليون فلسطيني ورفع الحصار الذي تضربه إسرائيل ومصر عليه. إسرائيل ستكون مستعدة لذلك فقط بشرط أن تعيد حماس جثماني الجنديين والمواطنين المحتجزين لديها، واللذين بتقدير الاستخبارات على قيد الحياة. حماس تطالب بالمقابل ان تحرر إسرائيل مئات المخربين، بعضهم مع "الدم على الايدي"، المحكومين لعدة مؤبدات. اما إسرائيل فترفض.

وهكذا، وفقا لتقديرات محافل الاستخبارات، هناك خطر اكبر لاستئناف المواجهة العسكرية من اتفاق بعيد المدى. فغياب الاتفاق والطريق السياسي المسدود مع السلطة الفلسطينية، والذي احتمالات استئنافه طفيفة، تضع المرة تلو الاخرى إسرائيل في الموقف ذاته. فهي تستمتع بالوضع الراهن. زعماء في العالم، بعضهم دكتاتوريون وحشيون او موضع خلاف، مثل الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتا ممن تفتح إسرائيل امامهم بواباتها بسرور، يأتون اليها. وهم يأتون إلى هنا كي يشتروا السلاح وتكنولوجيا السايبر، بما فيها من برامج اختراق تفتح لهم امكانية ملاحقة خصومهم والتمتع بالعلم الزراعي والطبي الإسرائيلي. وتضاف إلى الصداقات الجديدة أيضا دول عربية تجد قاسما مشتركا واحدا مع إسرائيل: الخوف والعداء لإيران. 

ولكن لادعاء رئيس الوزراء بأن العالم السني يبدي ودا تجاه إسرائيل يجب التعاطي معه بمحدودة الضمان، طالما لم يتحقق تقدم في القناة الفلسطينية. أما المسألة الفلسطينية، مسألة الديموغرافيا، وخطر الدولة ثنائية القومية، كانت وما تزال المشكلة رقم (1) لإسرائيل، إلى جانب الشرخ الداخلي، الانشقاق والتحريض، والتي تبذل حكومة نتنياهو كل جهد مستطاع للإبقاء عليها كمصلحة سياسية تضمن بقائهم في الحكم.