المرشد للثورة القادمة

المرشد للثورة القادمة
المرشد للثورة القادمة

عنات فشباين- يديعوت احرونوت

تمت مظاهرة التويتر الأولى في إسرائيل، والأخيرة أيضا في هذه الأثناء، في 11 كانون الأول (ديسمبر) في القدس، بمشاركة أربعين رجلا وامرأة. لم تكد تخمد النار في الكرمل حتى خرجت الزقزقة الأولى: "نتظاهر على إيلي يشاي، من يريد الانضمام؟". التقى سبعة أشخاص غرباء تقريبا في مقصف "همنزار" في تل أبيب، وفيما تلا من أيام أغرقوا التويتر باعلانات لليوم والساعة، ورتبوا حافلة، وخرجوا مع خروج السبت للتظاهر قبالة بيت الوزير يشاي في حي هار نوف.

اضافة اعلان

"لم أعلم هل يأتي ثلاثة أشخاص أم ثلاثون، وأتى أربعون فجأة"، يقول السينمائي دورون سباري، وهو قديم في النضالات الاجتماعية والذي أنتج من جملة ما أنتج فيلم "المرشد للثورة". "لم أكد أعرف أي واحد. بدأت أحاديث: من أنت؟ أنا روني 82، أهذا أنت؟ أنا اودينكا 17. كانوا اشخاصا مختلفين لم يلتقوا قط، ولم يربط بينهم شيء سوى التويتر، جاءوا للتظاهر قبالة بيت إيلي يشاي. يبدو أن هذا هو الأمر الذي يصح فعله. كان ذلك ساحرا مختلفا عن جميع المظاهرات والاحتجاجات التي شاركت فيها. أضعناه في نصف ساعة لأنه دخل البيت لكننا تظاهرنا ودعوناه إلى الاستقالة. بعد ذلك جاءت الشرطة وهددت بالاعتقالات. ذهبنا إلى حائط المبكى، ودسسنا قصاصات ورقية طلبنا فيها من المستوى الأعلى أن يستقيل إيلي يشاي وعُدنا إلى بيوتنا. كان ذلك نشاطا مدنيا بما تحمل الكلمة من معنى".

خلال السنة التي سبقت مظاهرة الأربعين في القدس خرج جماهير حثهم التويتر في مولدافيا وفي إيران للاحتجاج على نظم الحكم القمعية عندهم. وبعد شهر ونصف من ذلك تدفق الملايين على شوارع مصر، منظمين بواسطة صفحات الفيس بوك، وأسقطوا حكم مبارك وهم يوجهون التحية إلى مؤسس الشبكة الاجتماعية، مارك سوكربرغ.

حتى لو كان من الممكن التعود على فكرة أن فتى أشقر ليس شديد المقبولية يجلس متضايقا في غرفته في المعهد الدراسي ويجمع في مسيرته عدة بلايين من الدولارات، فان أصعب من ذلك كثيرا أن نقبل تحول هذا الفتى، مع بلايينه، إلى تشي جيفارا وسيمون بوليفار الألف الثالث. المشكلة الأصعب التي يثيرها الآن تشي الشاب هي عدم القدرة على توقع خطواته القادمة. كيف يستطيع العالم، كما نعرفه، أن يعرف متى ستثور مرة أخرى هذه الموجة المجنونة من الأنغام أو النقرات أو مجرد اشخاص يتصلون بالشبكة، ثم يهبون بعد ذلك ليُغرقوا الشوارع؟ وأين سيحدث هذا في المرة القادمة؟ أهذه نظم عالم تشوشت أم أن أدوات التنبؤ بها وفهمها قد خرجت عن نطاق الاستعمال؟.

كل مواطن ثائر

حاييم آسا على ثقة بأننا نواجه عالما جديدا عجيبا بما يكفي: هذه نهاية نظم الاستبداد كما عرفناها؛ واجتماع الملايين حول موضوع بحيث لا يستطيع أي جيش أن يواجههم؛ وتغير بنية الثروة في الغرب إثر انتفاضة الجماهير على البنوك والاتحادات الكبيرة؛ ومجال مسطح واسع الأبعاد، كل مواطن فيه ثائر محتمل ولا حاجة إلى قادة أو تراتبية. ويقول إن المشكلة الوحيدة هي أن أعيننا عمياء عما يحدث حتى يضربنا مفاجأة.

إن آسا، الذي كان مستشار الأمن القومي لاسحق رابين وهو اليوم مستشار استراتيجي لحملات دعائية ومحاضر في معهد الادارة التابع للمركز متعدد المجالات، بدأ يكتب قبل نصف سنة اقتراح بحث في هذا الموضوع لجامعة تل أبيب.

"إن تطور المجال السبرنيتي (الذي يشتمل على الشبكات الاجتماعية، وغوغل ونظم الهواتف المحمولة والاتصال بين كل ذلك) ينشئ عالما سياسيا جديدا"، يكتب في ورقة عمل تنشر هنا لأول مرة. "هذا عالم ستنهار فيه أجهزة نظم الحكم الصارمة، وأجهزة قوية في ظاهر الأمر لمؤسسات اقتصادية، وستبدأ تغييرات تكتونية في طابع كل زعامة سياسية، وفي نمط حياة المواطنين عامة في دولهم. إن الأحداث التي تواجهنا كالثورة في تونس والثورة في مصر والزلازل المتوقعة في دول أخرى، هي طرف الجبل الجليدي فقط من التغيير الجوهري للحياة في الشبكة.

"سيصعب جدا على أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية والغربية وبعامة التعرف على صورة المسار وتقدير ما الذي يوشك أن يحدث وأين. يكمن سبب ذلك في حقيقة أن مسار التغيير هو سياسي – ثقافي في جوهره، يُعبر عنه مسار اجتماعي، ولهذا فهو خفي على موجات رادارات اجهزة الاستخبارات العسكرية".

وقف البروفيسور دافيد بسيغ من جامعة بار ايلان في مطلع كانون الثاني (يناير) في محاضرة ازاء رئيس "أمان" وضباط الاستخبارات الكبار، كانوا نحوا من مئتي شخص، وأوضح كيف يفحصون اليوم في العالم، في مجاله، عن مسارات تفضي إلى انهيار أمم. قال إنه بحسب جميع التنبؤات فإن مصر هي الأولى في الدور الآن. لم يساعد هذا التنبؤ الصريح أيضا الضباط على أن يكونوا أقل دهشة بعد ذلك بثلاثة أسابيع عندما وقع الأمر.

"لم يوجد جهاز استخبارات واحد في التاريخ لاحظ واقعة تاريخية"، يقول بسيغ، "إنها تفشل مرة بعد أخرى لأنها لا تفهم أنه يوجد منطق في التاريخ، وفي تطور الجنس البشري، والمجتمعات والدول. يقول الفرض الأساسي لأجهزة الاستخبارات إن جمع كميات غير عادية من المعلومات في المكان الذي تستطيعه يُمكّنك من فهم توجهات أو فهم ما يحدث على الأقل. وأنا أزعم العكس: فكلما وجد عندك مقدار أكبر من المعلومات، فقدت الثقة بك والقدرة على فهم ما يحدث واشتقاق التوجهات من ذلك. أنت لا ترى الغابة لكثرة الاشجار. وتغرق في كمية ضخمة من التفصيلات. فقدت هذه الأجهزة القدرة على الفحص عن الواقع.

"في رأيي، يجب على أجهزة الاستخبارات أن تعرف على نحو أفضل أدبيات أكثر جِدّة تتناول منطق الأجهزة. ليست هذه أمورا كلاسيكية. أعلم أن هذا لا يحدث. هؤلاء الأشخاص لم يستعدوا لانهيار الدول، ولم يستعدوا للحروب القادمة. مما أعلمه، ومن المحقق أنني لا أعلم كل شيء، ما يزالون أسرى التصورات العامة القديمة. انهم مُحتاجون إلى أن ينتعشوا بواسطة مجالات فكر جديدة تتطور في العالم مثل طريقة الأجهزة وبحث المستقبل".

يأتي تعزيز هذا الكلام من واحد من أكثر الأشخاص قدرا في الجماعة الاستخبارية الاسرائيلية ألا وهو اللواء (احتياط) اهارون زئيفي فركش الذي كان رئيس "أمان" في الماضي. ترأس فركش قبل سنتين فريقا أعد لمعهد ابحاث الأمن القومي مذكرة مفصلة عن مواجهة الاستخبارات للعقد القادم (كتبها: الدكتور شموئيل إيفن والدكتور عاموس غرانيت). وقد بقيت هذه الوثيقة المتقدمة أيضا في مجالات الاستخبارات العسكرية الكلاسيكية: فهي لا تتناول السبل التي يمكن بها التنبؤ بالمزاج العام بين مجموعات في الضواحي أو تحليل مسارات في المستقبل، وعندما عُرضت على مجموعة من كبار رجال الاستخبارات في الماضي، تم استقبالها بتشكك يتصل باستعداد الجهاز لقبول التغييرات المقترحة فيها و"إحداث تحول حقيقي في الوضع القائم".

"يوجد هنا تحدٍ كبير ينبع من أشياء سحرية وقعت"، يقول زئيفي فركش. "بحثنا عن كيفية مضاءلة احتمال الاخفاقات الاستخبارية. إن سقوط الكتلة السوفييتية ليس شيئا يمكن المرور به بصمت، فأين كانت أجهزة الاستخبارات؟ وأين كانت في مواجهة نشوء الاسلام المتطرف بفصيلتيه؟ وكيف يفاجئنا العالم الذي يتغير طوال الوقت؟ يجب على الاستخبارات اليوم أن تفهم الثقافات واللغات. لا يكفي النظر في جيوش الدول الأخرى وإحصاء الدبابات والطائرات. يجب ان تُسأل اسئلة مثل كم دولار يعيش عليها الفرد في غزة وفي مصر وما هي نسبة المنضمين إلى سوق العمل، آنذاك سنتبين أن مليون شخص ينضمون كل سنة في مصر، وليس لهم عمل بحيث أن الأمور ستتفجر ذات يوم. ليس من المؤكد أن تعلم متى، لكنك توجه نظرك وأذنيك لأمور ليست عسكرية تقليدية.

"كذلك تغيرت طبيعة الحرب. فالى الوقت الذي انهار فيه الاتحاد السوفييتي كانت ثم حروب متناسبة، مع دبابات كثيرة وطائرات وسفن. لم تختف هذه البنية تماما لكن نشأت إلى جانبها مجالات أخرى. التحدي اليوم هو الوصول الى تلك المستويات والأنسجة الحية التي تؤثر في استقرار نظام الحكم في كل دولة".

هل يمكن بهذا التنبؤ بالثورة التالية؟

"لا يمكن ان نعلم تكتيكيا أنها ستقع بالضبط بعد أسبوع. لكن يمكن أن نعلم استراتيجيا أن العناصر تفضي إلى انفجار. أنا مضطر إلى أن أقول إن ما وقع في مصر لم يفاجئني. تحدثنا عن هذا في مطلع العقد السابق. كانت آنذاك فرق من الأمم المتحدة بحثت في دول المنطقة عن التربية وحقوق النساء والظروف الاجتماعية ومتغيرات أخرى كثيرة، وقد رأت آنذاك تطورات في إيران وفي مصر. رأينا أنه يوجد في الشرق الأوسط ثلاثة ملايين عاطل جديد كل سنة، وأنه يوجد في العالم العربي 35 مليون امرأة لا يعرفن القراءة والكتابة، وأن الأولاد يدرسون في المعدل خمس سنين أو ست فقط. وصدر عنا تقدير استخباري قال إن الأمر سينفجر ذات يوم. لم نعرف أن نقول متى بالضبط، لكن هذا هو حيّنا ويجب أن نكون مستعدين. ليس هذا عملا استخباريا تقليديا. إن من ينظر في المسارات لا يجب أن يكون نبيّا كي يقول إن ذلك سينفجر".

يوجد اليوم غير قليل من الأدوات التي تُمكّن من ملاحظة هذه المسارات، وأكثرها أو كلها موجود في الشبكة. إن غال مور مثلا صاحب موقع "ثقوب في الشبكة"، ينشر في الأشهر الأخيرة قائمة "ذوات التأثير" – وهي صفحات الفيس بوك العشرون النشيطة في إسرائيل. بمساعدة برنامج سباي في نت لتعرّف وتحليل المضمون في الشبكة، لا يُفحص فقط عن كمية المعجبين والمتصفحين بل عن درجة فاعلية الموقع.

"يمكن اليوم استعمال أدوات تسويق المنتوج لتعرّف اتجاهات في المضمون"، يُبين. "يمكن أن نرى ما الذي يتحدثون عنه وأي كلمات مفتاحية ذات صلة تظهر. إذا ظهرت كلمات مثل "الحرية" و"التحرير" أو كلمات تُعبر عن غضب فربما يشهد هذا على مسار اجتماعي".

بدأوا في الجيش الاسرائيلي يعرفون أهمية هذه الأدوات. وبرغم أن الاتصال البشري ليس هو الجانب الأقوى لأجهزة الاستخبارات الاسرائيلية، وبرغم أن الموضوع الاجتماعي التكنولوجي كله ليس في مقدمة اهتماماتها، فقد أعلن الجيش الاسرائيلي في الأسبوع الماضي أنه يوشك أن يفتتح دورة تعليمية عملياتية عن وسائل الاتصال الاجتماعية. يبدو أن هذا سيحدث بعد سنة فقط، لكن مع شيء من التحليق ربما يتجول هنا أرباب الفيس بوك مع ضباط الشبكة. هل يستطيعون التنبؤ بأحداث مثل الانتفاضة في مصر؟.

يقول غال مور: "ليس مؤكدا. ربما يخلطون بين معطيات من الشبكة ومعطيات من العالم المادي. لست على ثقة بأن هذا ممكن من خلال الفيس بوك وحده. يمكن في الفيس بوك أن نعرف فقط أن عدم رضى يزداد عن الادارة. أنا مؤمن بأنهم إذا تابعوا ما يقوله الايرانيون والصينيون الآن فسيتبينون هناك تباشير مقاومة واحتجاج، لكنني لا أعتقد أنه يمكن أن يُستنتج من ذلك أنه يتوقع هناك انتفاضة في القريب".

تل أبيب في هذه الأثناء

إن سؤال من ستكون المنهارة التالية يشغل الجميع. إن آسا على ثقة بأن المعايير هي معضلة الديكتاتورية (فكلما كانت أشد سيكون السقوط أسرع) وقرب تناول العالم السبرنيتي، بمعنى الانكشاف للقيم الديمقراطية والمعلومات وبمعنى إمكان الانتظام.

هذه العوامل، كما يكتب، "فيها ما ينشئ القوة لتحويل الغضب المكظوم عند عشرات الملايين تلك إلى تغييرات نظام حكم جوهرية، من نظام استبدادي ذي حزب واحد أو نظام القلة الحاكمة إلى الديمقراطية. إن ثورة وسائل الاتصال تُمكّن الجماهير من تعويق الجيوش والشرطة وكل قوة في واقع الأمر تحاول قمع نشاطهم. إن اتصال الملايين يحول هذه القوة إلى قوة حركية، لا يستطيع أي جيش أو شرطة في العالم أن يواجهها".

"أعتقد أنهم يبالغون في أهمية هذه الأداة"، يزعم بسيغ في مقابلته. وجدت دائما أداة مرت الأشياء من خلالها. نحن الآن في فترة تصنع فيها التكنولوجيا ذلك لكن لم يحدث كل هذا بسببها. فالتكنولوجيا هي في الحاصل العام قناة. ولو لم توجد لوجد شيء آخر. وقعت في التاريخ ثورات أيضا عندما لم يكن الانترنت موجودا. في مقابلة ذلك، كل شيء في إسرائيل مفتوح وليس فيها ثورات برغم وجود مشكلات كثيرة. والسبب أنه ما يزال يوجد ثقة في إسرائيل بالجهاز. كي تقع ثورة يجب التوصل إلى وضع فقدان شامل للثقة، بحيث لا تثق بالاقتصاد وبنظام الحكم وبجهاز القضاء. وهذه مسارات يمكن توقعها مسبقا.

"في الصين مثلا، توجد مشكلات كثيرة. فالدولة كلها مبنية على نحو غير صحيح. ومن جملة ما يوجد هناك مشكلة سكانية هي أن البنين أكثر من البنات بعشرين في المائة. لا يعلم أحد ماذا سيكون الباعث إلى الثورة وأين سيبدأ؛ ولا أحد يعلم أيبدأ ذلك مع شخص ما يحرق نفسه أو مع شخص ما يقتل زعيما، لكن من المحتمل أن نفترض أن يقع شيئا ما هناك وأن يكون الانهيار سريعا جدا".

يقول إن وضع سورية مشابه لوضع مصر تقريبا، وإن احتمالات الانهيار واردة بحسب ذلك. وبعد أن ينهي الشرق الأوسط ثوراته، سيحين دور دول في شرق أوروبا كروسيا التي يبعد وضعها عن أن يكون لامعا. "يريد الناس نظاما وهم مستعدون لدفع ثمن من أجل النظام"، يقول بسيغ. "ثمن ما غير شامل. عندما يختل التوازن بين الثمن وبين النظام، تقع ثورة وتتم بمساعدة الأدوات العتيدة في ذلك الوقت".

تنبؤ آسا مشابه كثيرا. "لن تترك الجماهير في مصر الميدان في القاهرة حتى تنشأ هناك بنية تحتية ديمقراطية. كل محاولة للسيطرة من الجيش أو من الإخوان المسلمين ستخفق في مواجهة هذه الكتلة. في الجزائر والمغرب وسورية وإيران واليمن والسعودية سيتغير نظام الحكم. وسينهار نظام الحكم في روسيا في غضون بضع سنين. ويحتمل حدوث تغيير تكتوني في الصين في خلال عشر سنين منذ هذا اليوم". وعند آسا أيضا مفاجأة. "اذا لم تنشأ دولة فلسطينية"، يقول، "سيواجه النظام في إسرائيل ضغطا شديدا جدا من الوسط العربي مع الفلسطينيين في يهودا والسامرة وغزة".

"حاولت أن أفهم لماذا لا يمكن أن يقع هذا حقا في إسرائيل"، يقول دورون سباري في حزن طفيف، "وليس عندي جواب حسن. لم ينجح أي نضال شارع هنا. وفيما يتعلق بجلعاد شاليط، وهو شأن عليه إجماع واسع، خرج إلى الشوارع 100 ألف شخص ولم يحدث شيء. لا يهم هذا أحدا. الجمهور يائس في الحقيقة لكن يبدو أن أموره غير سيئة بما يكفي".