"المريخي" ومهرجان جرش: السمعة والمكانة

الثقافة والفنون بأشكالها المختلفة هي في العالم المتحضر أحد أهم العناصر التي تمنح الدول سمعة محترمة، وتضفي مزيدا من الحضور لدى الشعوب الأخرى، وأكبر المستفيدين في العادة قطاع السياحة.اضافة اعلان
بالأمس قرأت تقريرا صحفيا موثقا يفيد بأن جزيرة بورتوريكو وهي كومنولث تابع للولايات المتحدة وتقع في البحر الكاريبي نالت مؤخرا شهرة عالمية واسعة بسبب أغنية لفنانين إسبانيين، أعيد إنتاجها وتصويرها في الجزيرة وشارك بنسختها الإنجليزية المغني الأميركي الشهير جاستن بيبر. وقالت وكالات سفر عالمية إن عمليات البحث عن السفر للجزيرة "المفلسة" حققت معدلات هائلة، وبدأت الفنادق هناك بالاستعداد لاستقبال أفواج السياح.
وفي عدد "الغد" يوم أمس تقرير عن اختيار المخرج العالمي ريدلي سكوت منطقة وادي رم مجددا لتصوير فيلمه الجديد "كل المال في العالم". وسبق للمخرج سكوت أن صور فيلمين في نفس المكان، الأشهر بينهما "المريخي" من بطولة الممثل الأميركي الشهير مات ديمون.
ملايين البشر حول العالم ممن شاهدوا الفيلم ذهلوا من سحر المكان، وأصبح الوادي الجميل مقصدا سياحيا عالميا. وحتى بالنسبة للأجانب الذين لم يتمكنوا من زيارته بعد، تراهم يتحدثون عن وادي رم والأردن بشغف كبير، وبقدر عال من الاحترام.
كسب الأردن مكانة وسمعة ممتازة أيضا بفضل مهرجاناته الثقافية والفنية وعلى رأسها مهرجان جرش المنعقد حاليا في دورة جديدة. المهرجان ساهم لدرجة كبيرة بوضع الأردن على خريطة المهرجانات العربية والعالمية، وحقق مكانة مرموقة ارتبطت موضوعيا باسم الأردن.
مثقفون وأدباء وفنانون من مختلف دول العالم شاركوا في المهرجان على مدار سنواته الطويلة، وحملوا معهم ذكريات جميلة عن الأردن. وكرس صورة المملكة كدولة منفتحة على الثقافة العالمية والإرث الإنساني.
وفي السنوات الأخيرة تنوعت ظاهرة المهرجانات في الأردن، وأصبح للموسيقى العالمية مكان فيها. الحفلات الموسيقية والغنائية الراقية التي يشهدها المدرج الروماني أو تلك التي تنظمها مؤسسة عبد الحميد شومان، أمثلة حية على ما يحققه هذا القطاع من تطور نوعي.
ثمة جمهور من الذواقين للموسيقي العالمية الكلاسيكية بدأ يتشكل في الأردن، ويشعر المرء بالتفاؤل عندما يشاهد المئات من الشباب يصطفون لشراء تذاكر لحفلات فنانين وموسيقيين مرموقين عالميا، أو لحضور حفل لعازفين ومؤلفين موسيقيين أردنيين من أمثال يعرب سميرا2ت، وطارق الناصر وفرقته المبهرة
معارض الكتاب تستقطب جمهورا ليس بالقليل في عمان، وحين تغامر المؤسسات المعنية بتنظيم نشاطات ثقافية في المحافظات، تجد تفاعلا إيجابيا.
المؤسف أن بيننا من لا يقدر القيمة المضافة للنشاط الثقافي والفني، فترى نفس الأصوات ترتفع كل سنة محتجة على مهرجان جرش أو حفلات المدرج الروماني، خصوصا إذا ما تزامنت مع أحداث سياسية من حولنا. وكأن المهرجانات هذه هي المسؤولة عن الفوضى والحروب المشتعلة في منطقتنا، أو ان إلغاء مهرجان جرش هذا العام "وكل عام" كفيل بوقف الاعتداءات الصهيونية على المسجد الأقصى.
الثقافة والفنون وفي مقدمتها الموسيقى والمسرح والسينما والشعر هي فقط ما يبقينا على صلة مع الحياة في هذه المنطقة الكئيبة. وبالنسبة لبلد مثل الأردن يكابد جراء أزمات الإقليم فلا مجال أمامه سوى العمل الدؤوب لكسب الاحترام والسمعة العالمية.