المزاح في مكان العمل.. هل يسهم دائما في إشاعة السعادة؟

Untitled-1
Untitled-1

عمان- في مكان العمل سواء كان حكوميا أو خاصا باستثناء القطاع العسكري الذي يميل للجدية والصرامة، تجد بعض الموظفين يميلون الى المزاح والدعابة أثناء العمل وإطلاق بعض النكات، وتوزيع بعض الكلمات هنا وهناك.
وفي أماكن العمل نقضي معظم أوقاتنا وقد تتعدى الثماني ساعات وتكون في مجملها أوقاتا نرى فيها زملاءنا في العمل أكثر من أفراد أسرتنا، وقد تسمع البعض يتحدثون بأنهم لا يرون أطفالهم منذ مدة فهم يذهبون الى العمل صباحا، وأطفالهم نائمون ويعودون الى المنزل وهم نائمون، ويمكن لقليل من الدعابة أن تضفي على المكان راحة وسهولة.
ولكن بالنسبة لكل موظف أو مسؤول يتمتع حقا بروح الدعابة، هناك آخرون يرسمون التجهم على وجوه زملائهم بسبب استخدام نكات غير لائقة، أو مسيئة لهم. أو هم نكدون يميلون الى تعقيد الأمور ولا يجدون قبولا بين زملائهم ومكان العمل يضم أصنافا شتى من الموظفين، فالمدير الناجح هو الذي يستطيع أن يجمع بينهم فيكون مكان العمل محبوبا للآخرين.
السؤال الذي يطرح نفسه إذن، كيف تساعد الدعابة بالضبط على تحسين الأجواء في مكان العمل، وتحسين مكانة الشخص الذي يجيد استخدامها؟
كشف شويتزر، في دراسة نشرها حديثا بعنوان "عمل مجازف: عندما تنقص الدعابة من المكانة أو تدعمها"، أن الموظف أو المدير الذي يستخدم الدعابة بنجاح، يُنظر إليه كشخص واثق من نفسه، وقوي في عمله، وهو ما يؤدي في المقابل إلى تعزيز مكانته بين العاملين.
ويضيف شويتزر: "ونحن نتحدث عن مكان العمل، لا بد من الإشارة إلى أن الناس يحترمون الأشخاص الذين يتمتعون بالثقة في أنفسهم. فعندما تكون مرحا، سينطوي ذلك الأمر على مجازفة ما، والمجازفة بدورها هي التي تظهر الثقة بالنفس".
السؤال الآخر، هل يعتقد الموظفون أن زميلهم الذي يتسم بروح الدعابة أكثر كفاءة في عمله منهم؟
يقول شويتزر إن الدعابة الجيدة تتطلب ذكاء وحرصا، وهو ما يجعل الزملاء يعتقدون أن من يستخدمها يتمتع بمستوى أكبر من الكفاءة بين زملائه. ويتطلب التمتع بحس الدعابة والمرح أن تأخذ في الاعتبار وجهات نظر الآخرين، وما يعتبرونه مضحكا. كما يعني ذلك أن تعرف الوقت المناسب لاستخدام الدعابة، وكيف تفرق بين المزاح وبين ما يمكن أن يشكل إساءة للآخرين.
وأنه إذا ما ألقى شخص ما دعابة أو مزحة غير لائقة، سواء كانت مضحكة، أو تسبب إهانة لمشاعر الآخرين، فسيظل يُرى في عين الآخرين أنه أكثر ثقة في نفسه، لكنهم سيرونه أيضا كشخص غير كفؤ.
تقول الدراسة: "يشير إلقاء نكات غير لائقة إلى تدني الكفاءة. لذا، فإن الجمع بين الثقة العالية والكفاءة المتدنية يضر بمكانة المرء".
وتقول جينفر موس، مؤسسة شركة "بلاستيسيتي لابس" في تورنتو، والتي تجري أبحاثا حول الذكاء العاطفي والسعادة في أماكن العمل لصالح عدد من الشركات: "تؤدي الدعابة إلى توثيق العلاقات، وذوبان الفوارق داخل مؤسسة تقوم على التسلسل الإداري"، وتضيف: "وتساعد الدعابة على الترابط الوثيق مع موظفيك".
ويشير شويتزر إلى مثال لاستخدام الدعابة بشكل جيد، وذلك في تغريدة نشرها مدير سابق في موقع "تويتر"، وهو ديك كوستولو، في العام 2009؛ حيث جاء في تغريدة كوستولو: "هذا أول يوم لي في وظيفتي الجديدة كمدير للتشغيل في موقع تويتر. والخطوة الأولى هي أنني سأعمل على تقويض سلطة المدير التنفيذي، وتعزيز سلطتي".
وبالفعل، أصبح كوستولو المدير التنفيذي لـ"تويتر" بعد عام واحد من ذلك، واحتفظ بذلك المنصب لخمسة أعوام، قبل أن يغادر الشركة في نهاية الأمر.
ويقول شويتزر: "لم يكن كوستولو شخصا كوميديا، لكنه جعل من نفسه شخصا محبوبا في الشركة" بعد أن استخدم هذه الدعابة.
وخلاصة الموضوع تكمن في أنه يمكن لأجواء المرح في مكان العمل أن تحارب الجوانب السلبية للأعمال التي يغلب عليها التوتر.
ففي دراسة نشرت في مجلة "السلوك والإدارة التطبيقية" في العام 2006، توصل الباحثون إلى أن مشاعر الإجهاد النفسي، بالنسبة للعاملين في قطاع الرعاية الصحية، كانت أقل لدى من يتمتعون بمستويات أكبر من المرح أثناء العمل.
ومن ناحية صحية، استنتج بحث أجري في جامعة فريجي في أمستردام أن فرق العمل والموظفين الذين يتبادلون الدعابة والنكات أكثر من غيرهم، قدموا لبعضهم بعضا عبارات إيجابية وتشجيعية، من قبيل "تلك فكرة رائعة"، أو "يمكننا حل هذه المشكلة بأن نفعل كذا وكذا".
ومن أنواع الدعابة انتقاد الذات، فيقول شويتزر إن انتقاد الذات أمام الآخرين "يمكن أن يكون فعالا"، لأنه يضفي بعدا إنسانيا على من يلقي الدعابة ويجعله أكثر قربا مع من حوله. واستخدام تعبيرات ساخرة بصورة فعالة، حسب ما يقول آدام جالينسكي من كلية إدارة الأعمال بجامعة كولومبيا، لكنه يوصي باتباع أسلوب حذر في هذا السياق.
ويجب أن يكون المزاح مقبولا من الجميع، فالدعابة الساخرة تكون أكثر فعالية عندما تسود الثقة وعدم التكلف بين الأطراف المختفة، وإلا فستظهر أي دعابة ساخرة في غير موضعها كدعابة وقحة أو فظة.
أما بالنسبة للسخرية من الآخرين من خلال المزاح والدعابة، فهي أمر غير مقبول في الإدارة؛ حيث يضيف جالينسكي: "تتطلب السخرية معرفة وجود مرونة في التفكير لدى متلقي الدعابة، ما يساعد على تفسير الكلام بطريقة سليمة. وهذا نوع خاص من الذكاء الاجتماعي الذي لا يجيده أو يحوزه كل الناس".
أما باربارا بليستر، المحاضرة في جامعة أوكلاند للأعمال، فتقول إنه من الضروري ألا تكون الدعابة مصدرا أو سببا للإساءة لأي إنسان.
وتحذر بليستر، التي ألفت كتابا حول الدعابة في مكان العمل، من انخراط المديرين من أصحاب المراكز العليا في تداول أو نشر النكات في مكان العمل.
وتقول بليستر: "إن مزاح المدير مع موظفيه قد يؤدي إلى شعورهم بالإساءة إليهم إذا لم يفهموا المغزى من تلك المزحة، وربما يترتب على ذلك أيضا اتهامات أخرى من قبيل التحرش الجنسي، إذا أتي المزاح بنتائج عكسية".
وتحذر بليستر كذلك من أن مزاح المديرين بصورة مستمرة "ليس دلالة أكيدة على أنهم مرحون ومضحكون، ولا يُظهر ما إذا كان الآخرون يضحكون فقط من باب المجاملة".
الدعابة الصحيحة في الوقت المناسب تبدد التوتر، وتساعد على تقريب المسافات بين الناس.
وعندما تقبل الدعابة والمزاح من الجميع، فمعنى ذلك أنهم تقاسموا لحظة معينة، وأصبح بينهم شيء مشترك.

اضافة اعلان

الصيدلي إبراهيم علي أبو رمان/ وزارة الصحة