المزيد من وصفات الخراب!

رغم كل الآثار الاقتصادية والاجتماعية السلبية والمدمرة على البنى المجتمعية في الأردن، ما يزال صندوق النقد الدولي يصر على وصفاته واشتراطاته لما يسمّيه إصلاحا اقتصاديا، غير عابئ بتفاقم الآثار السلبية، من توسيع لشريحة الفقراء وإثقال كاهل القطاعات الإنتاجية والمشغلة للأيدي العاملة بالمزيد من الأعباء الضريبية.اضافة اعلان
في آخر تقرير له، والمعنون بـ"آفاق الاقتصاد الإقليمي" يطالب الصندوق الأردن باتخاذ تدابير جديدة لتضييق العجز وتخفيض الدين العام من خلال تحقيق إيرادات أعلى وتوسيع القاعدة الضريبية الحالية وإلغاء الإعفاءات.
الصندوق، الذي ابتلي به الأردن كما غيره من دول العالم الثالث، منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي بوصفاته وبرامجه "الإصلاحية"، يناقض نفسه وهو يتحدث عن الأردن واقتصاده، ففي الوقت الذي يؤكد فيه أن "الاضطرابات السياسية بمنطقة الشرق الأوسط ومعدلات البطالة المرتفعة ماتزال تلقي بظلالها على الآفاق الاقتصادية في المنطقة"، فإنه يدعو في الوقت ذاته المملكة إلى تسريع وتيرة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية لـ"مواجهة الاضطرابات السياسية في المنطقة".
في آخر تطبيق لوصفة ونصائح الصندوق أردنيا، والتي أقدمت عليها حكومة الدكتور هاني الملقي قبل أشهر، وشملت حزمة إجراءات اقتصادية وزيادة ضريبية طالت عشرات السلع والخدمات الأساسية، تضمنها اتفاق مع الصندوق نهاية العام الماضي، وقفت البلاد على قدم وساق، جراء ما حملته هذه الحزمة من زيادة في الأعباء المعيشية والضغوط الاقتصادية والاجتماعية على المواطنين وعلى المجتمع والدولة، الأمر الذي هدد حقا بحدوث اضطرابات سياسية، يزعم الصندوق أنه يسعى لمواجهتها والحد من احتمالاتها.
المشكلة الأخطر في هذا السياق، أن حزمة الإجراءات المالية الأخيرة هي الجزء الأول من برنامج واتفاق ينفذ على مدى ثلاث سنوات، أي أن الأردن مطالب، بحسب وصفات الصندوق، بحزم قاسية أخرى العام المقبل والذي يليه، وهو أمر يبدو غير مقبول من ناحية اجتماعية وسياسية، ناهيك عن أنه لم يجدِ في خفض نسبة الدين العام للدولة بحسب ما كان مقررا، ولا هو حقق نموا معقولا ولم يخفض نسبة البطالة التي ارتفعت العام الماضي إلى 15.6.
الأردن الآن في انتظار نتائج مراجعات صندوق النقد الدولي للاقتصاد الأردني نصف السنوية، والتي تتضمن توصيات جديدة للحكومة، وهي توصيات لا يتوقع أن تختلف كثيرا عن توصياته المعتادة، بتوسيع القاعدة الضريبية وإلغاء الإعفاءات بدون الالتفات لما تجره هذه الإجراءات من أعباء معيشية واجتماعية وسياسية سلبية.
يفاقم الآثار السلبية لتوصيات ووصفات النقد الدولي تراجع المنح والمساعدات العربية والدولية للأردن، في ظل ارتفاع كلف التحدي الأمني على موازنة البلاد التي تقع في محيط مشتعل، ناهيك عن قصم أزمة اللاجئين السوريين لظهر البلد، وتحميله ما يفوق طاقاته منذ أكثر من ست سنوات، وهي الأزمة التي لا يبدو في الأفق أن لها حلا قريبا!
ولا يبدو صندوق النقد، ومن يديره من دول غربية كبرى، معني بتراكم الأزمات والأعباء الاجتماعية والسياسية، والتي أسهمت توصياته بخلقها وديمومتها في الأردن وغير الأردن، بل هو معني بتوفير المزيد من الإيرادات لسداد الديون وفوائدها التي لا تنتهي، بل تزداد وتتسع في حلقة شيطانية مفرغة.
هل من إمكانية للخروج من هذه الحلقة المفرغة؟ هذا هو سؤال المليون، الذي يجهد كل فقراء العالم، ومن بينهم الأردنيون، في البحث عن إجابة له!!